قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي

قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي
قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي
قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي
قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي
قلعة قايتباي... حارس مصر الشمالي

 

"من يحمي مصر من غزاة الشمال...العثمانيون في الشرق والأوروبيين في الغرب". كان هذا لسان حال السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي، وهو واقف على شاطئ الإسكندرية ينظر إلي أنقاض حصونها، بعدما تعرضت المدينة لأسوأ الهزات الأرضية، فأمر بإنشاء هذه القلعة لتحصين مدينة الإسكندرية وحمايتها من الاعتداء الخارجي، وبالتحديد من الدولة العثمانية، التي بدأت تغير اتجاه فتوحاتها من أوروبا إلى الشرق، فحاول السلطان قايتباي أن يحصن الثغور المصرية، واكتملت عملية بنائها بعد عامين في ٨٨٤ هجري / ١٤٩٧ ميلادي، وبنيت القلعة على مساحة قدرها ١٧٥٥٥ مترا مربعًا تقريبًا بالحجر الجيري الصلد، مع تدعيم البرج ببعض الأعمدة الرخامية المتبقية من الفنار، وبنيت على هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية، والداخلية، والبرج الرئيسي، وقد بنيت هذه الأسوار لزيادة استحكامات القلعة، وكانت مبنية من الأحجار الضخمة، أما عن التخطيط الخارجي للقلعة فهي تضم أولًا الأسوار الخارجية، حيث تدور حول مساحة القلعة أسوار خارجية من الجهات الأربع، الضلع الشرقي يطل السور الخارجي على البحر مباشرة، ويبلغ عرض هذا السور حوالى مترين، وارتفاعه حوالى ثمانية أمتار، ولا يدعم هذا السور أي أبراج، وقد تهدمت معظم أجزائه؛ وأعيد ترميمه مؤخرًا، والضلع الغربي يطل على الميناء الشرقي القديم، ويتخلل هذا السور في مبانيه كتل من الخشب، وجذوع النخيل، وتم تزويد هذا الضلع بثلاثة أبراج نصف دائرية بارزة مزودة بفتحات سهام، ويعتبر هذا الضلع من أقدم الأجزاء الباقية في هذا السور ككل، ويوجد به المدخل الرئيسي للقلعة في نهايتها بالجهة الغربية الجنوبية.

أما الضلع الشمالي، فهو يطل على البحر مباشرة، ويتكون هذا الضلع من جزأين، الجزء السفلى عبارة عن ممر كبير يمتد بطول السور من الشرق إلى الغرب، يسمى الممرات الساحلية، وقد بنى فوق الصخرة الطبيعية مباشرة، وفتحت فيه فتحات مربعة الشكل تحتوي كلًا منها على فتحة معقودة تطل على الخارج وكانت تستخدم كفتحات للمدافع، ويبلغ عدد تلك الفتحات عشرين فتحة، ويشغل نهاية الطرف الغربي إسطبل الخيول، أما الجزء العلوي من هذا الضلع فهو عبارة عن ممرات بها فتحات ضيقة تطل على البحر تستخدم بمثابة مزاغل للسهام، وأعيد ترميم هذا الضلع، والضلع الجنوبي هو الأهم بالنسبة للأسوار الخارجية؛ لأنه يطل على الميناء الشرقي مباشرة، ويمتد من الضلع الشرقي إلى الضلع الغربي في خط مستقيم، ويتخلله ثلاثة أبراج مستديرة بارزة، كما يضم عددا من الفتحات الضيقة المعقودة، ويتوسطه المدخل الحالي للقلعة.

والقلعة تحتوي على البرج المثمن، الذي يقع علي الأسوار الخارجية من الناحية الشمالية الغربية، وهو مثمن الشكل، وكان الغرض منه المراقبة، والتدعيم، ومدخل القلعة الأصلي، ولا يستخدم هذا المدخل حاليًا، وهو يقع في الركن الجنوبي الغربي من السور الخارجي، ويتكون من فتحة مستطيلة يكتنفها برج مستدير من الجانبين، يبرز إلى الخارج، ويفتح هذا المدخل على ممر أو دهليز للدخول إلى القلعة عن طريق فتحة باب تؤدى إلى صحن القلعة، وفتحات أخرى تؤدى إلى المنطقة بين السورين، ويستغل هذا المدخل حاليًا من قبل وزارة البحث العلمي كمتحف للمحنطات، أما المدخل الحالي للقلعة يتوسط الضلع الجنوبي من أسوار القلعة الخارجية، وهو عبارة عن فتحة يعلوها عتب مستقيم من صنجا معشقة ويغلق عليه باب خشبي ضخم ذو ضلعين. أما واجهته الداخلية فهي على شكل عقد كبير نصف دائري، ويواجه هذا الباب فتحة تؤدى إلى السور الداخلي للقلعة، معقودة بعقد نصف دائري يؤدي إلى قبو نصف أسطواني يتوسط صف الغرف المخصصة ثكنات للجنود، وينتهي منه إلى فناء القلعة، كما يعلو هذا المدخل لوحة رخامية نقش عليها المرسوم السلطاني الذى أصدره السلطان قنصوه الغوري عام ٩٠٧هــ/١٥٠١م يحذر فيه من إخراج الأسلحة من القلعة مهددًا بشنق كل من تسول له نفسه ذلك.

إن التخطيط الداخلي للقلعة يتمثل في الأسوار الداخلية، التي بنيت من الحجر الجيري الصلد ذي القطع الكبيرة، وهى تحيط بالبرج من جميع جوانبه عدا الجانب الشمالي، وتُعد تلك الأسوار بمثابة خط دفاع ثان لتدعيم البرج الرئيسي، ويفصلها عن الأسوار الخارجية مسافة تتراوح ما بين خمسة أمتار إلى عشرة أمتار في بعض المواضع، وقد أضيفت إلى تلك الأسوار في فترة لاحقة مجموعة من الحواصل (الطرف) المتجاورة، أُنشئت بعد بناء القلعة، ربما ترجع إلى عصر محمد على، ويبلغ عددها 36 حاصلا أُعدت لإقامة ومعيشة الجند، وتأخذ الشكل المستطيل وتفتح على صحن القلعة مباشرة بأبواب ذات فتحات مستطيلة يشغلها أبوابًا خشبية من ضلفة واحدة، تقابلها فتحات صغيرة على هيئة مزاغل استخدمت لأغراض التهوية والإضاءة، كما يوجد بجانب هذا الباب فتحة شباك مستطيلة تغلق درفتين من الخشب، وتطل على صحن القلعة للتهوية، وسقفت الحواصل بسقف برميلي الشكل، وتم إعداد أحدى هذه الحواصل كنموذج لبيع النماذج الأثرية المقلدة المصنعة بمعهد الحرف الأثرية التابع لهيئة الآثار.

 

ويتكون الفناء الرئيسي للقلعة، من صحن كبير مربع يحيط بالبرج الرئيسي من الجهة الشمالية، ويشغل طرفه الشرقي سلمًا صاعدًا مكونًا من اثنتين وعشرين درجة تؤدى إلى الأسوار الخارجية، بينما يشغل أقصى طرفة الجنوبي الغربي زلاقة تؤدي بدورها إلى الأسوار الخارجية، وكان هذا الصحن يستخدم قديما لتدريب الجنود على فنون القتال، كما وضع به مجموعة من المدافع التي تنتمي لعصور وطرز مختلفة، كطراز الهاون لأرمسترونج.، والصهريــــــــج هو من العناصر الأساسية التي اشتملت عليها القلعة، ويقع في الجانب الغربي من خارج البرج الرئيسي، وقد تم اكتشافه في أعمال الترميم التي تمت ١٩٨٢- ١٩٨٤م، وهو مشيد بالطوب الأحمر (الآجر) يغطيه عشر قباب ضحلة ترتكز أرجلها على عقود، ويصل عرض هذا الصهريج إلى ٤٫٥ سم تقريبًا وطول أبعاده ١٣٫١٠×٥٫٥سم تقريبا، وقد استخدم الملاط الوردي من الداخل؛ لتقوية جدرانه، والحفاظ على المياه لأطول فترة نقية، فالغرض الأساسي من هذا الصهريج تخزين المياه لأطول فترة؛ لعدم وجود مصدر مائي دائم، وكان يملأ هذا الصهريج من خلال الجمال الحاملة للمياه إلى القلعة ثم تفرغ المياه بداخل هذا الصهريج، وأيضًا بتجميع الأمطار عن طريق فتحات تؤدى إلى الصهريج من الداخل، وكان يُنظف هذا الصهريج كل ثلاثة أشهر تقريبًا عن طريق خرزة خارجية تؤدى إلى الصهريج عن طريق سلم محفور بالجدران، كما يوجد أيضا خرزة أخرى داخل البرج لتسهيل وصول المياه للبرج.

 

وعن البرج الرئيسي فهو يقع في الجهة الشمالية الشرقية داخل الأسوار الداخلية للقلعة، وبنى على أنقاض فنار الإسكندرية، وهو بناء مربع الشكل مكون من ثلاثة طوابق طول ضلعه ٣٠م، وارتفاعه ١٧ مترا، ورعى عند تصميمه أن تتجه أضلاعه نحو الجهات الأصلية الأربعة، ويشغل كل ركن من أركانه برجا أسطواني الشكل يرتفع عن سطح البرج نفسه، ويرتكز على مساند حجرية يبلغ عددها في كل برج اثني عشر مسندا، يبلغ قطر كل برج من هذه الأبراج حوالي ستة أمتار، ويفتح بجدران كل منها ثلاث نوافذ موزعة على المحيط الخارجي لكل برج في نفس مستوى نوافذ البرج الرئيسي، وقد تم تدعيم هذا البرج ببعض الأعمدة المتبقية من الفنار لتدعيم جدران البرج، يتوسط المدخل الحالي للبرج الواجهة الجنوبية المدخل الرئيسي (الحالي) بعد أن ألغى المدخلين الجانبيين، وهو عبارة عن مدخل يزيد اتساعه على ثلاثة أمتار يعلوها عقد مدبب، ويتوسطها فتحة باب مستطيلة يشغلها باب حجري ضخم ذي صلفه واحدة، ويتوج أعلاها عقدا مفصصا، ويكتنفها من الجانبين ومن أعلاها ثلاث قطع من حجر الجرانيت الوردي (ربما تكون من أساس الفنار)، كما يوجد مسلتين على جانبي الباب ترتفع كل منهما ثمانين سنتيمترا عن مستوى أرضية المدخل، والواجهات الشمالية والشرقية من الخارج تتشابه من حيث التخطيط المعماري مع الواجهة الرئيسية، وبنيت من الحجر مترادفات الدستوري تتوج من أعلاها وشاكيل حجرية، وصف من الشرفات الحجرية بيضاوية الشكل.

ويتكون التخطيط الداخلي للبرج الرئيسي من ثلاثة طوابق مختلفة في التخطيط والارتفاع، حيث يبلغ أدنى ارتفاع لطوابق هذا البرج سبعة أمتار وعشرين سنتيمترًا، والطابق الأول يتكون من عدة عناصر رئيسية هامة، حيث يلى فتحة الدخول الدركاه، وهى كلمة فارسية الأصل تعنى الجزء الذى يلى المدخل، وقد كسيت أرضيتها برخام أبيض اللون زين بزخارف هندسية، ويحيط بتلك الكسوة إطار رخامي أسود، ويحدها من ثلاث جهات مكاسل حجرية «مصاطب» يعلو كل فتحة منهما فتحتان أخريان (دواليب حائطية)، ولعل أهم ما يضمه هذا الطابق المسجد لأداء الشعائر الدينية؛ لمن يسكن القلعة من الجند المرابطين، وتخطيط هذا المسجد على نظام الصحن والأواوين، وأرضية صحنه من فسيفساء رخامية بديعة بشكل طبق نجمي كبير، ويتوسط إيوان القبلة محراب يكتنفه عمودان من الرخام، كما يفتح بالإيوان الشمالي الغربي غرفة مستطيلة كانت تستخدم لتخزين أدوات المسجد من حصر وزيت، ويفتح بالإيوان الشمالي الشرقي غرفة تستخدم لإقامة إمام المسجد، ويحتوى هذا الطابق على ردهة تمثل ممرا طويلا يجرى موازيا للجدارين الشمالي والغربي، ويحتوى الممر الغربي على فتحة بئر (خرزة) أسطوانية الشكل لها إطار من الرخام تؤدى إلى الصهريج الموجود خارج البرج؛ لتسهيل عملية جلب المياه داخل البرج، وغرفة الطاحونة بالضلع الجنوبي من الممر الغربي، وهى حجرة مربعة الشكل، حيث أشار إليها المؤرخ ابن إياس، وكانت هذه الغرفة مخصصة لطحن الغلال اللازمة لأكل الجنود، أما عن الممر الشرقي الذى يقع على يمين الداخل من الباب الرئيسي للبرج فيشغله ثلاث حجرات صغيرة مستطيلة الشكل، كما يشمل هذا الطابق سلما حجريا يؤدى إلى الطابق الثاني.

ويتم الوصول للطابق الثاني من خلال سلم حجري مرتفع الدرجات، ويشتمل على ممرات جانبية بامتداد الأضلاع الأربعة، وممرات فرعية تصل بين الممرات والأبراج الركنية، ويفتح بجدران هذا الطابق فتحات الأسهم (المزاغل) التي كانت تستخدم لإلقاء الأسهم على العدو، ويتوسط هذا الطابق حجرات صغيرة تدور حول محور واحد يشمله المنور الأوسط، الذى يعلو قاعة المسجد في الطابق الأول، ويشمل هذا الطابق من ناحيته الجنوبية سقاطة الزيت وهى عبارة عن فتحة مستطيلة ضيقة تعلو المدخل الرئيسي للبرج، وكانت تستخدم كوسيلة دفاع بإلقاء الزيت المغلي، والمواد الملتهبة على العدو في حال اقتحامه للبرج الرئيسي، والشخشيخة (ملقف الهواء)، وتقع في منتصف الضلع الجنوبي وكانت تستخدم كوسيلة اتصال بين الطابق الأول، والطابق الثاني، كذا وسيلة للدفاع إذا دعت الحاجة.

 

أما الطابق الثالث فيتم الوصول إليه من خلال سلم حجري مرتفع الدرجات، ويتكون هذا الطابق من مجموعة من الممرات، يكتنفها مجموعة من الحجرات عددها ٢٨ حجرة مربعة الشكل، بعضها يطل على الخارج عن طريق فتحة صغيرة مستطيلة (مزاغل)، وتستخدم كغرف للمراقبة، والبعض الآخر يطل على صحن المسجد عن طريق فتحة مستطيلة يشغلها شباك من الخشب ذو المصبعات الخشبية، وكانت هذه الغرف تستخدم كثكنات للجنود، ومخازن للسلاح، كما يضم هذا الطابق القاعة الكبرى التي تتوسط الواجهة الجنوبية، والتي يسميها ابن إياس باسم المقعد السلطاني. وهذه القاعة الكبيرة عبارة عن حجرة مستطيلة طولها خمسة أمتار، وعرضها أربعة أمتار تقريبًا، لها سقف مبنى من الآجر على شكل قبوة متعارضة، ترتكز على أربعة عقود ملتصقة بالجدران، وقد فتح في جدار تلك القاعة الجنوبي نافذتان كبيرتان مستطيلتان، لكل منهما عقد حجري صغير، وتبرز هاتان النافذتان عن مستوى الجدار بنصف متر تقريبًا، ويرتكز ذلك الجزء على أربعة أزواج من المساند الحجرية. يصف ابن إياس هذا المقعد قائلا (مقعد يطل على البحر، ينظر منه مسيرة يوم إلى مراكب الفرنج وهى داخلة إلى المياه)، والفرن، والمئذنة، حيث كانت تعلو البرج الرئيسي مئذنة، وظلت حتى زمن الحملة الفرنسية؛ لكنها اندثرت جراء قصف سواحل الإسكندرية أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، تتكون هذه المئذنة من ثلاثة طوابق تعرفنا عليها من خلال رسوم وصور القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين وهى تتكون من الطابق الأول مربع الشكل، تتوجه شرفة المؤذن الأولى، ويعلوه الطابق الثاني، وهو يقل في الحجم عن الأول، تتوجه شرفة المؤذن الثانية، ويعلو ذلك الطابق الثالث أسطواني الشكل، يعلوه قبة مضلعة صغيرة.