الكاتدرائية المرقسية بالعباسية: درة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقبلة الأقباط حول العالم
في قلب العاصمة المصرية، وتحديدًا في حي العباسية العريق، تنتصب الكاتدرائية المرقسية كرمز شامخ للروحانية والتاريخ، حاملة في جدرانها حكايات الإيمان والوطنية، لتغدو ثاني أكبر كاتدرائية في العالم الأرثوذكسي، وأقدمها في أفريقيا والشرق الأوسط، ومقصدًا لجميع أقباط المهجر والداخل على حد سواء.
تحمل الكاتدرائية اسم القديس مارمرقس، أحد أوائل التلاميذ الذين حملوا شعلة المسيحية إلى أقصى بقاع الأرض. وبحسب الروايات، فقد وُلد مارمرقس في القدس، لكن رحلته التبشيرية قادته إلى مصر، حيث استقر في الإسكندرية، المدينة التي أصبحت فيما بعد مقرًا للكرسي البابوي، ومهدًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
لم تكن الكاتدرائية مشروعًا كنسيًا فحسب، بل حملت طابعًا وطنيًا فريدًا، تجلى في دعم القيادة السياسية آنذاك. ففي مشهد تاريخي لا يُنسى، تبرع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمبلغ كبير في ستينيات القرن الماضي لبناء الكاتدرائية، ووضع حجر الأساس بنفسه في 24 يوليو 1965، بحضور الإمبراطور هيلا سلاسي إمبراطور إثيوبيا، والبابا كيرلس السادس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية آنذاك.
جاء تصميم الكاتدرائية ليعكس روح العقيدة ومركزية الصليب في المسيحية، إذ اتخذ المبنى شكل صليب ضخم، بتوقيع المهندسين الدكتور عوض كامل وسليم كامل فهمي، اللذين فازا في مسابقة رسم وتصميم الكاتدرائية. أما التنفيذ الإنشائي فقد تكفّل به الدكتور ميشيل باخوم، أحد أبرز مهندسي الإنشاءات في مصر، بينما أوكل التنفيذ لشركة النيل العامة للخرسانة المسلحة (سيبكو)، لتُقام واحدة من أضخم البنايات الدينية في المنطقة.
لا تقتصر الكاتدرائية على قاعة الصلاة الكبرى، بل تضم في جنباتها العديد من الكنائس والخدمات الملحقة، منها كنيستان باسم العذراء أسفل الكاتدرائية، وكنائس للسيدة العذراء والأنبا رويس، والسيدة العذراء والأنبا بيشوي، إلى جانب كنيسة الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي، وكنائس أخرى تحمل أسماء القديس موريس، القديسة فيرينا، الأنبا بولا، والأنبا صموئيل. كما تضم مباني أسقفية متخصصة في تقديم الخدمات الكنسية والاجتماعية، وتحمل جدرانها ذاكرة غنية بالاحتفالات والزيارات والأحداث التاريخية.
الكاتدرائية المرقسية ليست مجرد مبنى، بل هي سجل حي لذاكرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وشاهد على عمق العلاقة بين الدين والوطن. وفي كل عام، تتوافد إليها الجموع من مختلف دول العالم، ليشهدوا عظمتها، ويستحضروا روح القديس مارمرقس، وليجددوا ولاءهم لتراث إيماني خالد لا يعرف الحدود.
تظل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، في قلب القاهرة، صرحًا خالدًا يجسد الإيمان، التاريخ، والوحدة الوطنية... معلمًا روحيًا يتجاوز الأحجار والأسقف العالية ليعانق قلوب المؤمنين في كل مكان.
مصدر:
موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية