مديرية التحرير... نواة حلم ناصر لبناء مصر العظمى
وكم شعرت اليوم شعورًا قويًا، مؤمنًا، عميقًا من قرارة نفسي ومن كل قلبي حينما كان العرق يتصبب على جبيني وأنا أتجول في هذه الأرض الطيبة... وانا أشعر بالقوة، وأشعر أن أهل هذا الوطن أبناء الفراعنة، الذين بنوا الأهرام، والذين عملوا الأعاجيب، تمكنوا من خلق هذه الجنة في هذه الأرض الكفراء، وفى هذه الرمال، وكنت أقول: إني أريد هؤلاء الذين يشعرون بالتردد، ويشعرون بضعف العزيمة، أن يكونوا معنًا اليوم ليؤمنوا أن أبناء هذا الوطن إذا تمسكوا، تمسكوا بالقوة، تمسكوا بالمحبة، تمسكوا بالصبر، وتمسكوا بالمصابرة، يستطيعوا أن يفعلوا الأعاجيب، ويستطيعوا أن يخلقوا جنة من هذه الأرض الكفراء...لن ننشىء مديرية التحرير فقط، ولكننا سننشىء مصر العظمى، سننشىء مصر الكبرى، التى يشعر كل فرد من أبنائها فيها بالمساواة، وبالعزة، وبالعدل، وبالكرامة.
بهذه الكلمات افتتح الرئيس جمال عبد الناصر خطابه لأبناء مديرية التحرير في الثاني عشر من يوليو العام ١٩٥٤م.
ثورة كبيرة في عمران المحافظات والقرى رافقت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، فالقرى كانت ترزخ في الفقر والمعاناة والإهمال الطبي، تم انشاء الوحدات الصحية فيها، بل قررت الثورة الارتقاء بالثقافة والخدمات العامة وبالقطاع الزراعي، فقررت التوسع الزراعي جنبًا لجنب مع التوسع العمراني، وهذا ما حدث عند تأسيس مديرية التحرير، فبدأ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في أكتوبر ١٩٥٢م، التفكير في تحويل الصحراء الشاسعة الممتدة غرب محافظة البحيرة إلى مجتمعات عمرانية جديدة تجذب الأيدي العاملة وتشجع الهجرة الداخلية لتخفيف عبء التكدس بمنطقة الوادي القديم، يقام عليها مشروعات عديدة في مجال الثروة الحيوانية والإنتاج الداجنى لتلبية احتياجات السوق المحلى والتصدير بالإضافة الى استخدام طرق حديثة في الري وإقامة مجتمع زراعي وصناعي متكامل لجذب الشباب للتطلع لمستقبل أفضل والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي لشعب مصر.
بدء الشروع في تنفيذ الفكرة عام ١٩٥٣م، أي بعد الثورة بعام واحد، حيث تشكلت لجنة تأسيسية لمديرية التحرير بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر في٢١ مارس١٩٥٣م، لتقوم بدراسة الفكرة واختيار أقرب مكان لتنفيذ المشروع، وشكلت اللجنة مجلس إدارة مديرية التحرير بجانب عدة لجان فنية تضم الخبرات والكفاءات في مجالات؛ التخطيط، الزراعة، المالية الاقتصادية، الميكانيكا والكهرباء، الطرق، والمباني، المواد، والشئون الاجتماعية، والانتاج الحيواني، التعاون، الجيولوجيا، وأبحاث الحشرات والحيوان".
وتم تقسيم مديرية التحرير إلى قطاعات؛ القطاع الأول: سمى منطقة الرواد وتضم قرى "أم صابر، منشأة ناصر، منشأة عامر، عمر شاهين، عمر مكرم، صلاح الدين، عبد المجيد مرسى، عبد الحميد أبو زيد، أحمد عرابى، نبيل الوقاد، بدر".
القطاع الثاني: سمى منطقة الفتح وتضم قرى "عبد السلام عارف، بغداد، عثمان بن عفان، على بن أبى طالب، حراء".
القطاع الثالث: وسمى منطقة النجاح وتضم قرى "عين جالوت، النجاح، الكفاح، العزيمة، الفالوجا، الشروق، المعركة".
القطاع الرابع: الذي يحمل اسم منطقة الانطلاق وتضم عدة قرى "أبوبكر الصديق، عمر بن الخطاب، المجد الرابعة".
وضمت القطاعات حوالي ٢٤ ألف فدان تُروى بطريق الرش، و٤٥٠ بئرًا ارتوازيًا لتوفير مياه الشرب والري والكهرباء، و١٠ آلاف تُزرع فيها أشجار الفاكهة والخضروات والبقول كالفول السوداني، والبطاطس، والسمسم، والبطيخ، والقمح، والشعير، والبرسيم، وغيرها.
وقد تم إنشاء أكبر محطة في الشرق الأوسط للإنتاج الحيواني، وكذلك الدواجن المصرية والأجنبية، على مساحة ٥٠ ألف فدانًا، اتبع في تربيتها أحسن الوسائل الفنية في التهجين والتلقيح الصناعي، حتى صارت مديرية التحرير أكبر مورد لكافة المحافظات المصرية من اللحوم، والجلود، والألبان، والبيض.
كما تم إنشاء مراكز صناعية في القرى والمراكز التي تحمل أسماء قومية كأسماء أصحاب البطولات العسكرية والحروب التاريخية جميعها تدل على القوة والعطاء والتضحية مثل بدر، وكذلك أسماء الشهداء والأبطال مثل عمر شاهين، وأم صابر وعمر مكرم، وأُقيم بالقري والمراكز نحو ألفى منزل وكثرت مؤسسات الخدمات العامة والمتاجر والمدارس، وتم تأسيس نحو ١٥ مدرسة ابتدائية ومدرسة إعدادية مشتركة، ومدرسة فنية ثانوية وإعدادية وثانوية عامة بها في العام المقبل.
وفي الثاني عشر من يوليو العام ١٩٥٤م، قام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة تفقدية للمديرية للوقوف والاطلاع علي أخر الانشاءات ومتابعة سير عمل المشروعات فيها.
وأولت محافظة البحيرة اهتمامًا خاصًا بمديرية التحرير، وعملت على وصول الخدمات لها وربطها بالقاهرة بطريق السيارات العامة، بل صدرت أوامر بنقل جميع الموظفين من القاهرة إلى مكاتب أنشئت لهم بالمديرية، وفى ذكرى العاشرة للثورة تم توزيع نحو ٣ آلاف و٥٠٠ فدان على المواطنين، وقد استمر استصلاح الأراضي في مديرية التحرير حتى عام ١٩٥٧م.
وصارت المديرية مقصدًا للزوار والوفود الأجنبية؛ حيث زارها الرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو بصحبة الرئيس عبد الناصر في الخامس من مايو العام ١٩٦٦م، ورئيس الوزراء السوفيتى اليكسى كوسيجين في الثالث عشر من مايو العام ١٩٦٦م، ووفد دولة ألمانيا، حيث أمسك الهر بول شولز نائب الرئيس الألماني آنذاك بالفأس، وقام بعبور الترع المنشأة حديثًا ومبطنة، كما قام بصحبة وفود من وزارة الزراعة المصرية بمشاهدة حفل رياضي بقرية عمر شاهين.
وفي الأول من يوليو العام ١٩٧٥م، صدر قرار من وزير الزراعة بتحويل مؤسسة مديرية التحرير الى شركة جنوب التحرير الزراعية، كما تم توزيع أراضي المديرية على الموظفين والمهندسين بقطاع التحدي على أن يكون ٣٠ فدانًا للحاصلين على المؤهل العالي و٢٠ فدانًا للمؤهل المتوسط مقابل ترك الوظيفة عام ١٩٩٧م.
وفي عامي ١٩٨١م و ١٩٨٢م، تم بدء عمليات تصفية شركة جنوب التحرير الزراعية و توزيع الأراضي بمنطقة الفتح وباقي مديرية التحرير للموظفين والمهندسين والعاملين بالشركة؛ فحصل المهندس على ٢٤ فدانًا، والموظف ذو المؤهل المتوسط على ٢٠ فدانًا، والموظف أقل من المتوسط ١٢ فدانا، والعامل ٨ أفدنة، وتوالت عمليات توزيع الأراضى إلى أن صدر قرار بتحويل شركة جنوب التحرير إلى مكتب تصفية برئاسة المهندس أحمد الليثى، محافظ البحيرة ووزير الزراعة وعضو مجلس الشعب السابق، وتوالت القيادات على مكتب تصفية شركة جنوب التحرير إلى أن تم عرض جميع ممتلكاتها للبيع.
للمزيد من الصور اضغط هنا
المصادر
موقع ناصر
جريدة الأهرام: مقال تحت عنوان: "ثورة 23 يوليو وتعمير المحافظات ... كيف تأسست مديرية التحرير؟".
موقع صدى البلد: مقال تحت عنوان: "لكل اسم حكاية... مديرية التحرير بالبحيرة... مدينة الصحابة وأرض البطولات".