لا حزبية ولا تفرقة ولا بغضاء

أيها المواطنون:
بهذه الروح العالية، وبوحدة شعب الجمهورية العربية المتحدة سنستطيع - بإذن الله وبعون الله - أن نطور بلدنا، ونعمل على تحقيق المجتمع الاشتراكى الديمقراطى التعاونى؛ الذى يعبر عن أمل هذا الشعب فى الحياة الحرة الكريمة، المبنية على المساواة وتكافؤ الفرص. وإن الوحدة التى لمستها اليوم فى قلوب هذا الشعب؛ إنما تعبر عن الأمل الكبير فى أننا سننجح - بعون الله - فى تحقيق هذا الهدف، لا حزبية ولا تفرقة ولا بغضاء، بل أمة عقدت إرادتها على أن تسير فى سبيلها لتخلق المجتمع الذى ترفرف عليه الرفاهية، المجتمع الذى تجمعه المحبة ويجمعه الإخاء، المجتمع الذى يبنى على التعاون الحقيقى؛ فكل فرد هو السند لأخيه، وكل فرد هو الدرع الواقى لأخيه، وكل فرد من أبناء هذه الجمهورية يشعر أن هذه الجمهورية ملك له وملك لأبنائه من بعده، وليست ملكاً لفئة قليلة من الناس؛ لأن هذه الجمهورية قد تخلصت من الاستعمار، ثم تخلصت من الاستغلال بكل معانيه وبكل أشكاله؛ سواء كان استغلال سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى، وسارت فى طريقها لتعوض ما فات، ولتبنى لتدعم من قوتها ثم تدعم من إنتاجها، ثم تخلق لكل فرد من أبنائها وتوفر له الحياة الحرة الكريمة.
هذا هو مجتمعنا الذى نسير فيه، وليست هذه الجمهورية بهذه المبادئ التى أعلنتموها وأعلناها ورفعتم شعاراتها إلا جمهورية مبنية على المساواة والعدالة الاجتماعية؛ وكانت المبادئ التى أعلناها من أجل القضاء على الإقطاع، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة عدالة اجتماعية، وجيش وطنى قوى، وديمقراطية حقيقية سليمة. كان هذا - أيها الإخوة - هو تعبير عما تجيش به نفس كل فرد من أبناء الجمهورية من جنوبها إلى شمالها.
ونحن الآن - أيها الإخوة المواطنون - نضع هذا موضع التنفيذ، نعمل على إقامة الديمقراطية السليمة.. الحياة الديمقراطية السليمة، ولكنها ديمقراطية الشعب وليست الديمقراطيات المفتعلة التى أدخلها الاستعمار علينا فى الماضى ليفرق بين أبناء بلدنا ويحولهم إلى شيع وأحزاب؛ ليتنابذوا ويتفرقوا ويختلفوا، ثم يتعاركوا على الحكم والجاه والسلطان والنفوذ، ليست أبداً هذه هى الديمقراطية التى نراها، أو التى يشعر بها كل فرد منكم فى قرارة نفسه.
إن كل فرد من أبناء هذه الجمهورية يريد الحياة الديمقراطية السليمة التى تخلصه من الاستغلال السياسى والاستغلال الاجتماعى، وحينما ألغينا الحزبية، وحينما قضينا على الفرقة والبغضاء، وحينما قضينا على أساليب الاستغلال بكل معانيه؛ كان هذا - أيها الإخوة - هو بداية الديمقراطية السليمة.
واليوم - أيها الإخوة المواطنون - نسير فى طريقنا لنبنى لنا ولأمتنا ولجمهوريتنا الديمقراطية التى تحقق لنا مطالبنا وأهدافنا، الديمقراطية السليمة المبنية على المحبة والتعاون والتآزر، المبنية على الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، المبنية على أن هذا الشعب إنما آلى على نفسه أن يوحد نفسه ويتحد؛ فوحد نفسه واتحد، وسار فى طريق القوة ليطور بلده ويبنيها، وسار فى طريق القومية ليرفع رايتها ويعليها، وسار فى طريق الوحدة حتى يؤمن العالم العربى، وحتى يؤمن الدول العربية جمعاء، وسار فى طريق التضامن. هذا - أيها الإخوة - هو الطريق الذى سرنا فيه.
واليوم بعد عامين من الوحدة التى هى تعبير عن الثورة العربية الكبرى نشعر أننا قد قطعنا من الطريق الشىء الكثير، وأصعب جزء فى الطريق هو أول جزء فى هذا الطريق. وإننا اليوم بعد أن نبذنا الحزبية والفرقة والبغضاء، وبعد أن شعرنا أن هذا الوطن ملك لنا جميعاً، وبعد أن آمنا بأن علينا أن نبنى المجتمع الديمقراطى التعاونى الاشتراكى المتخلص من الاستغلال السياسى والاجتماعى والاقتصادى؛ فإن الطريق للمستقبل ليس بالطريق السهل، ولكنه أيضاً - بهذا العزم الذى رأيته فيكم فى كل بلد زرته - ليس بالطريق الصعب.
إننا - بعون الله - رغم المؤامرات ورغم تهديد أعوان الاستعمار والاستعمار سنسير فى طريقنا لنبنى بلدنا وفق رغبتنا ووفق مشيئتنا، ونشيد مجتمعنا ليكون المجتمع الذى ترفرف عليه الرفاهية، المجتمع الذى يتمتع بالحرية والعدالة والمساواة، وقد قلت فى الماضى: تعوى الكلاب من حولنا ولكن القافلة تسير، وإنى قد رأيت - أيها الإخوة - أن القافلة تسير فى كل ركن من أركان الجمهورية لتحقيق الأهداف الكبرى التى أجمعتم عليها، وسنسير فى طريقنا ونحن نعتمد على الله. والله الموفق.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى قصر الضيافة بحلب
بتاريخ السابع عشر من فبراير العام ١٩٦٠م.