عبدالناصر ومنظمة الوحدة الإفريقية

عبدالناصر ومنظمة الوحدة الإفريقية


 "نحن جميعًا فى نفس القارب، نواجه التحدي الحقيقي لمطالب الحرية والحياة".
 
 تلك هي الجملة الشهيرة للزعيم الراحل جمال عبدالناصر بإجتماع القمة الافريقية الأولي، بقاعة الاجتماعات الكبري، بالجامعة العربية، بحضور ثلاثة وثلاثون ملكاً ورئيساً وزعيماً إفريقياً، وتناقلتها الصحف والمجلات المحلية والعالمية. 
 
 وفي وقت سابق في ٢٥مايو ١٩٦٣، خلال اجتماع القمة الافريقية بالعاصمة الأثيوبية، الذي عُقد لايجاد صيغة مناسبة للوحدة إفريقية، كان الزعيم جمال عبدالناصر يحمل مُقترح مشروع الجامعة الافريقية، علي غرار الجامعة العربية، وكان يري فيها الصيغة الوحيدة القادرة علي الحفاظ علي الاطار القاري لوحدة إفريقيا، ومن ضمن أسباب حماسه لتلك الجامعة هو أنها ستمكن إفريقيا من أن تلعب دوراً مؤثراً في السياسة الدولية، وستحقق السلام العالمي لدول العالم الثالث. 
 
أما السبب الثاني فبحسب الوزير السابق محمد فايق، في كتابه «عبدالناصر وحركات التحرر الوطني» كان الصراع بيننا وبين الكيان الاستيطاني في إفريقيا قد أصبح علي أشده، ووجد عبدالناصر أن ارتباط جميع دول القارة في منظمة سياسية واحدة من شأنه أن يقوي موقنا وموقف دول القارة في التغلب علي اسرائيل، ومقاومة توسعها بالقارة الإفريقية. 

وبحسب الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه «سنوات الغليان»، ففي العام التالي، خلال المؤتمر الأول لمنظمة الوحدة الإفريقية في يوليو عام ١٩٦٤ بالقاهرة، أصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أن يكون مقر منظمة الوحدة الافريقية بأديس أبابا، رغم إعتراض عدد من القادة الأفارقة آنذاك، ورغم العتاب المرير الذي دار بين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والزعيم كوامي نكروما "لماذا أديس أبابا وليست أكرا" لكن بعد مناقشات اقتنع الأخير وآثر رغبة مصر، ورغم أن نفوذ مصر في إفريقيا آنذاك كان يؤهلها لاستضافة المقر، وكانت العلاقات المصرية الإفريقية في أوجُّها، لكن عبدالناصر آثر أن يكون المقر بالعاصمة الأثيوبية، لاعتبارات كثيرة، أولها العرفان بدور الامبراطور هيلاسيلاسي بحركات التحرر الوطني،، وهكذا تثبت الحقائق التاريخية الحقائق، التى لا سبيل للتشكيك فيها، أن اختيار «أديس أبابا» مقراً لمنظمة الوحدة الأفريقية قراراً مصرياً صرفاً. 

جاء ذلك في ١٨ يوليو ١٩٦٤، بمؤتمر القمة الافريقية، الذي عُقد بالقاهرة تأكيداً لدور مصر المؤثر في العمل من أجل تحقيق الوحدة الافريقية، وكان للرئيس #عبدالناصر خطاب استغرق ٢٨دقيقة وتمت مقاطعته بالتصفيق ١١مرة، وتم وقتها اختيار مصر و٣ دول لوضع الصيغة النهائية لمشروع ميثاق منظمة الدول الإفريقي، كما أنتخب جمال عبدالناصر رئيساً لمنظمة الوحدة الإفريقية في دورتها تلك. 

وبحسب المفكر الكبير حلمي شعراوي في كتابه «سيرة مصرية إفريقية» فإن عبدالناصر قد نجح في كسب تقدير الرؤساء الأفارقة، والذين اجتمعوا بدورهم في العام التالي حول وضع مبادئ منظمة الوحدة الإفريقية، والتي تمت صياغة بياناتها بإعتدال تام، حيث تمت بموازنة دقيقة بين نكروما الوحدوي، ونيريري المتحفظ، وفيلكس هوفويه  بوانييه زعيم ساحل العاج الطالع في الفرانكفونية، بأنماطهم الثلاثة التابعة، بما جعل من عبدالناصر وهيلاسلاسي بمثابة «الأخوة الكبار» علي حد تعبيره. 

وحينها عرض الزعيم جمال عبدالناصر موقفه من الكيان الاستيطاني، تاركاً للزعماء الافارقة القرار تجاه موقفهم من هذا الكيان، فما كان منهم إلا أن وافقوه الرأي، فيما كان له الفضل حينها في التوجيه باتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في كل إجتماعات القمة، والتي  كان جمال عبدالناصر شديد الحرص علي حضورها جميعاً معززاً بذلك علاقات الصداقة بين مصر وشيقاتها من الدول الافريقية، وبحسب حلمي شعراوي فإن الرؤساء كانوا يقفون مصفقين في أي قاعة يتم فيها اجتماع الرؤساء عند دخول عبدالناصر، وهو مالم يلاحظه في أي مؤسسة دولية أخري. 

وإذا كنا نُسلَّم بأن الزعماء الذين قادوا القارة الإفريقية وأسسوا إلي وحدتها، هم: جمال عبدالناصر وجومو كينياتا، وكوامي نكروما، وأحمد سيكوتوري، وأحمد بن بيلا، وباترس لومومبا، وفيلكس مومي، ويوليوس نيريري، وأميل كابرال، وغيرهم، فإننا لا نبالغ حين نقول بكل يقين أن جمال عبدالناصر قد لعب الدور الأعظم بشهادة التاريخ، وبشهادة هؤلاء أنفسهم.