عندما حلقت الطائرات المصرية في سماء نيجيريا بأمر عبدالناصر

عندما حلقت الطائرات المصرية في سماء نيجيريا بأمر عبدالناصر
عندما حلقت الطائرات المصرية في سماء نيجيريا بأمر عبدالناصر
عندما حلقت الطائرات المصرية في سماء نيجيريا بأمر عبدالناصر
تداولت وسائل التواصل الإجتماعي في يوليو من العام الماضي صورة مؤلمة لأطفال من نيجيريا وهم يحملون جهاز تابلت وعليه علم إسرائيل من الخلف ، فى محاولة منها لتجميل وجهها القبيح بممارسة القمع بحق الشعب الفلسطينى الأعزل ، وفى اختراق جديد للقارة السمراء قامت السفارة الإسرائيلية فى نيجيريا بشراء وتوزيع 70 تابلت على الأطفال النازحين بالقرب من العاصمة أبوجا ، ممن تتراوح أعمارهم بين 6-9 سنوات لتعلم اللغات والرياضيات ووضعت السفارة علم إسرائيل كخلفية للتابلت بهدف الدعاية لها .
وهذا الأمر آثار شجوني كيف كنا وكيف أصبحنا في أفريقيا ؟ .. التي كانت معظم دولها تقف معنا في خندق واحد ضد الأمبريالية والصهيونية مقدرة لمصر دورها بالوقوف بجوارها في نضالها الوطني حتى نالت إستقلالها ولم تتخل مصر عن دورها في الحفاظ على وحدة وسيادة دولها حتى في أشد ظروفها صعوبة بعد نكسة 1967 وهذا الأمر عاد على مصر بمكاسب عديدة سياسية وإقتصادية واستراتيجية وحفظ لها أمنها القومي الممتد جنوبا حيث يأتي من هناك شريان الحياة .
ومضى العهد الناصري برحيل صاحبه وترك لنا كنزا إستراتيجيا في أفريقيا ولكن خلفه - السادات - فرط في هذا الكنز فأخرج مصر من أفريقيا وتنازل عن دورها التاريخي هناك مفسحا الطريق أمام العدو الصهيوني ليحتل مكانتها ويعبث بأمنها القومي خاصة في دول حوض بهر النيل .
ونتوقف هنا أمام حادثة تاريخية لمصر في بيجيريا تعود وقائعها لعام ١٩٦٧م عند أستجابت لطلب النجدة القادمة من هناك رغم آلام النكسة وهذه الواقعة يرويها لنا الأستاذ محمد فايق مهندس العلاقات المصرية الأفريقية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في كتابه الهام عبد الناصر وثورة أفريقيا .
في شهر أغسطس ١٩٦٧م، أى بعد أسابيع قلية من النكسة تسلم الرئيس جمال عبد الناصر رسالة من الكولونيل - يعقوب جوان - رئيس نيجيريا ورئيس المجلس العسكري يستعرض فيها الخطر الذي تتعرض لة بلادة نتيجة غارات الطائرات التي أصبح يمتلكها  أجوكو قائد الأنفصال في أقليم - بيافرا - والتي أصبحت تقصف العاصمة لاجوس يوميا دون أن تجد أي مقاومة الأمر الذي خلق حالة من الذعر أصابت الأهالي وسكان العاصمة على وجه الخصوص.
وأوضح جوان في رسالتة أنة أستطاع الحصول على عدد من الطائرات الميج ١٧ أمده بها الاتحاد السوفيتي ولكنه لايجد الطيارين الذي يمكنهم العمل على هذة الطائرات. ومضى جوان يقول أنة يعرف الظروف العسكرية الصعبة التي تمر بها مصر كما يعرف أنها تحتاج لكل مقاتل ولكنة فقط يرجو من الرئيس جمال عبد الناصر أن يستخدم نفوذة لإقناع الرئيس الجزائري هواري بومدين حتى يمدة بعدد من الطيارين الجزائريين المدربين على طائرات الميج ١٧ الموجودة لدية وأوضحت الرسالة أن مسألة الحصول على هؤلاء الطيارين أصبحت مسألة حياة أو موت .
وكانت الحرب الأهلية في نيجيريا قد أندلعت منذ أعلن الكولونيل أجوكو الحاكم العسكري لإقليم شرق نيجريا أستقلال الأقليم باسم جمهورية بيافرا وذلك في 30 يونيو 1967 وأستطاع الحصول على عدد من الطائرات يعمل عليها طيارون من المرتزقة الأوروبيين أغلبهم من الذين أستأجرهم تشومبي عندما قام بمحاولتة الأنفصالية في إقليم كاتنگا (في الكونغو) وأصبح الخطر الذي تتعرض له نيجيريا بمحاولة انفصال إقليم بيافرا الغني بالبترول شديد الشبة بذلك الخطر الذي سبق أن تعرض لة الكونغو بمحاولات فصل إقليم كاتنجا الغني بالمعادن.
وكان هذا يعني تمزيق نيجيريا إلى أشلاء بقية الأقاليم التي تواجه الكثير من المشاكل الدينية والقبلية والثقافية والسياسية خاصة بين الشمال بأغلبيته المسلمة، والشرق بأغلبيته المسيحية. وكان الموقف خطيرا حيث كانت الولايات المتحدة تقف وراء الانفصال للسيطرة على البترول التي ركزت فيه استثماراتها، وكذلك المؤسسات الإنجليزية والألمانية التي تجد مصلحتها أيضا في انفصال الأقليم الغني ـ وهكذا تدفقت الاسلحة على الجنرال اجوكو، وجاءت الطائرات الحربية ومعها المرتزقة الأوروبيون، وبدا أن نيجيريا قد تمزقت وانتهى الأمر.
وبالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مصر في تلك الأيام وإنشغال عبدالناصر بإعادة بناء القوات المسلحة المصرية تمهيدا لحرب الاستنزاف لم يتجاهل رسالة الرئيس النيجيري، فأستدعى على الفور المسئول عن شئون أفريقيا - محمد فايق - قائلا : له لا نريد لأفريقيا أن تنتكس بكستنا موضحا له أن نيجيريا لن تحصل على طيارين من أي مكان آخر وأن مصر نفسها عندما تعرضت لنكسة يونيو لم يستجب أحد لنداء مشابه لها فإرسال الطيارين أمر يختلف عن إرسال المعدات العسكرية محذرا من إن الحكم في نيجيريا لن يستطيع الصمود وقد يتعرض لهزيمة من قوى الإنفصال وستكون هذه نهاية للدولة الموحدة إن استقلال بيافرا بهذه الطريقة هو خلق لكيان جديد في هذه المنطقة يمكن أن يلعب نفس الدور الذي تلعبه إسرائيل في الشرق الأوسط.
مضيفا .. إن الولايات المتحدة بتأييدها الانفصالي تريد إرهاب الحكومات الأفريقية حتى تخضع لسيطرة وحكم المؤسسات والشركات الرأسمالية الكبرى. إن الأسلحة الإسرائيلية تتدفق على بيافرا، وقد يكون ذلك بتخطيط أميركي، إلا أن إسرائيل نفسها لها مصلحة في تفتيت نيجيريا التي تضم أكبر تجمع إسلامي في أفريقيا، إضافة إلى المزايا الاقتصادية التي تطمح إسرائيل في تحقيقها هناك.. إن مصر لا ينبغي أن تسمح بأن تنتكس أفريقيا بسبب ما حدث في يونيو 67، ولابد أن يكون ذلك أساسا واضحا في استراتيجيتنا. وهكذا كان القرار: مساعدة الحكومة الفدرالية لمقاومة الحركة الانفصالية في بيافرا والإبقاء على وحدة نيجيريا، والإستجابة لطلب رئيسها، وإرسال الطيارين المطلوبين.
ونظرا لأن الظروف وقتها لم تكن تسمح للقوات الجوية المصرية بالأستغناء عن أي طيار مقاتل فقد كلفني عبدالناصر بأن يكون ذلك من الطيارين المتقاعدين الذين تركوا الخدمة بالقوات الجوية .وقام مكتب الشؤون الأفريقية بمصر بحصر هؤلاء الضباط وأستدعائهم على دفعات وتم الأتفاق مع السلطات النيجيرية على أن تأخذ العملية شكل التعاقد الفردي بين الأفراد والحكومة النيجيرية وذلك تجنبا التعقيدات الدولية الناتجة عن تدخل مصري مباشر. أي أنها أتخذت في مظهرها شكل المرتزقة الأوروبيين ,ولكن في حقيقة الأمر كان هؤلاء أبعد مايكونوا عن أن يوصفوا بهذا الوصف .فقد كانت الحكومة المصرية هي التي تكلفهم وتنظم هذا التعاقد معهم وتستدعي منهم من تريد.
كان هناك ضابط اتصال مصري في لاجوس على أتصال مباشر بمكتب الشؤون الأفريقية بمصر يتم عن طريقة كل مايتعلق بشؤون هؤلاء ويقوم بالتنسيق مع السلطات النيجيرية .وكان دافع هؤلاء الضباط هو خدمة الأهداف الوطنية المصرية في المقام الأول ,تلك الأهداف التي أتفقت مع مصلحة نيجيريا .
ويستكمل محمد فائق روايته قائلا : لازلت أذكر لقائي مع الدفعة الأولى من الطيارين الذين أستقبلتهم لأكلفهم بهذة المهمة وكيف تركز أهتمامهم كلة على الرغبة في معرفة مدى وكيفية تأثير نتائج هذة الحرب النيجيرية علينا وأهمية ذلك بالنسبة لمعركتنا الأساسية مع إسرائيل دون أن يسأل أحد عن قدر المرتب أو المكافأة والأمتيازات التي سوف يحصلوا عليها. وقد أعيد معظم هؤلاء الطيارين بعد ذلك إلى الخدمة في القوات الجوية المصرية مكافأة لهم على أعمالهم في نيجيريا.
ووصلت الدفعة الأولى من الطيارين المصريين بقيادة المقدم الطلياوي إلى لاجوس بعد أيام قليلة. وقام هؤلاء في نفس يوم وصولهم بالطيران الواطي بطائرات الميج في سماء العاصمة النيجيرية. وكان ذلك إيذانا بإنهاء غارات أجوكو الجوية بصفة نهائية حيث لم تكن أنواع الطائرات التي يستخدمها بقادرة على على مواجهة طائرات الميج الروسية والتي كان يستخدمها الطيارون المصريون. وقد أستقبل سكان العاصمة لاجوس ظهور طائرات الميج في سمائهم بالفرح والتهليل حيث كانوا يعيشون في رعب من غارات أجوكو ومن القصف الجوي الذي كان قد زادت حدتة في الفترة الأخيرة.
وكان الواجب الذي كلف بة الطيارون المصريون هو الدفاع عن سماء نيجيريا في المناطق التي تحدد لهم وكذلك ضرب المطار الذي كانت تمتلكة بيافرا وجعلة غير صالح للعمل بصفة دائمة. وكان معنى ذلك وقف الإمدادات العسكرية إلى بيافرا والذي كان معظمة يصل عن طريق الجو. وزاد عدد الطيارين المصريين في نيجيريا بتقدم الحرب وإنشاء كلية طيران في لاجوس لتدريب الضباط النيجيريين واضطررنا إلى الأستعانة بطيارين من القوات الجوية المصرية لأستكمال الأعداد المطلوبة وكذلك أطقم الصيانة والخدمة الأرضية والاتصال اللاسلكي.
ولم يكن من السهل وقتها إقناع الفريق محمد فوزي وزير الحربية بذلك إلا بعد قبول شروطه في أن يتغير الأفراد كل 3 شهور وأن يكون له الحق في أستدعاء جميع الأفراد التابعين للقوات الجوية المصرية الموفدين في هذة المهمة وذلك في ظرف 48 ساعة من إبلاغي بهذا الطلب. وقد حدث بالفعل أن استخدم الفريق محمد فوزي حقه في هذا الاستدعاء عندما تصاعدت حرب الاستنزاف.
أما بالنسبة للطيارين فقد بقي منهم من كان خارج قوة السلاح الجوي المصري وكان عليهم القيام بمجهودات مضاعفة. واستمرار بقاء هؤلاء الطيارين إلى أن تحقق النصر لقوات نيجيريا الفيدرالية وهرب أجوكو إلى ساحل العاج واستسلمت قواته وتم القضاء على محاولة الأنفصال في أقليم بيافرا. ومما لاشك فيه أن قرار الرئيس جمال عبد الناصر الثوري بإرسال الطيارين المصريين إلى نيجيريا كان له فضل كبير في حسم المعركة لصالح القوات الفدرالية.
مصر لم تتحمل أي عبء مادي نتيجة لموقفها من مساندة الحكومة الفيدرالية في هذا الوقت فقد كانت الحكومة النيجيرية تدفع ثمن المعدات التي تحصل عليها من مصر بالعملات الصعبة ,وقدكانت هذة المعدات في أغلبها قطع غيار وبعض الطائرات التي كانت تستغنى عنها القوات الجوية المصرية وذخيرة وقنابل طائرات وبعض المعدات الأخرى التي كان من السهل أستعواضها من الأتحاد السوفيتي.
وكان الثمن يدفع فور الأستلام لحساب وزارة الحربية المصرية التي كانت تستخدم هذة الحصيلة في شراء بعض مستلزماتها من الأسواق الأوروبية التي تحتاج إلى العملة الصعبة مثل الجنازير اللازمة لصناعة المدرعة التي تنتجها مصر والتي تشتري من اسبانيا. وقد دفعت حكومة نيجيريا أجور ومرتبات جميع الطيارين والفنيين المصريين الذين أشتركوا في هذة المهمة وكذلك أجر النقل الجوي الذي كانت تستلزمه عمليات الاستعواض السريعة وكان ذلك يدفع بالعمل الصعبة .. يضاف الى ذلك مصر وقعت مع نيجيريا اتفاقيات إقتصادية عادت علينا بمكاسب كبيرة .
فقد كان الأتفاق مع حكومة نيجيريا على أن تتحمل جميع الأعباء المالية المترتبة على المساعدات المصرية وذلك نظرا للظروف التي كانت تمر بها مصر من إعادة بناء لقواتها المسلحة وحاجتها إلى تعبئة كل مواردها من أجل معركتها مع إسرائيل ولأن نيجيريا كانت قادرة على الدفع الذي لم يكن مشكلتها. وكانت أهم مشاكل نيجيريا في حربها هذة تتركز أولا في الحصول على الطائرات وما يلزمها من أسلحة ومعدات وهذه حصلت عليها من الاتحاد السوفيتي.
هكذا كانت الرؤية واضحة في سياستها تجاه أفريقيا ففي أصعب الظروف لم تتوقف مصر عن تقديم يد العون لأفريقيا، وكانت تدرك أن ما تفعله هناك لا ينفصل عن معركتها ومعركة العرب ضد الاستعمار وضد إسرائيل .
مجموعة صور نادرة تعرض للمرة الأولي خلال زيارة الرئيس جمال عبد الناصر الي دولة نيجيريا الشقيقة في ٢٥ نوفمبر ١٩٦٥.