كتاب " قصة السويس .. أخر المعارك في عصر العمالقة "

" ان انتصار السويس - وكان انتصاراً - يستحق الدراسة والتأمل ، ولعلى أزعم أنه كان أكمل انتصار فى تاريخ العرب الحديث . بل انه كان أكمل (انتصار) فى تطبيق نظريات الحروب المحدودة منذ ظهرت هذه النظريات فى أعقاب التعادل النووى بين القوتين الأعظم : الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، مما سبب استحالة الحرب الشاملة بينهما مباشرة أو في ظلال موازين القوى الحساسة بينهما على اتساع العالم كله. . .
قبل ذلك كانت الحرب طبقا لآراء ( كلاوزفيتر ) – أكبر أساتذة علوم الحرب وفلاسفتها – هي ( التجاء مجتمع الى القوة العسكرية المسلحة لكي يكسر ارادة مجتمع آخر ويفرض عليه مشيئته كاملة)...
واما الحرب المحدودة ، حتى طبقا لآراء هنري كيسنجر ، فهي ( عمل سياسي شامل يلجأ الى القوة المسلحة في مرحلة من مراحله لتحقيق هدف معين لا يستدعي بالضرورة كسر ارادة الخصم أو فرض مشيئة المنتصر عليه كاملة). . .
وكانت حرب السويس من هذا النوع من الحرب المحدودة. . .
وكانت مصر فيها وحدها أمام ثلاث دول غازية : بريطانيا وفرنسا واسرائيل ، ولم يكن هدف مصر ان تكسر ارادة الثلاثة وتفرض عليهم مشيئتها كاملة ، وانما كان هدف مصر ان تفك قبضة عن الجوائز الكبرى التي كانت هدف القتال.
وفي الحرب المحدودة فان فك قبضة العدو عن اهداف الحرب هو معيار النصر أو الهزيمة.
أي أنه بعد انتهاء المعارك يكون السؤال المهم هو : . .
أين جوائز الحرب ، وفي أي يد هي؟ . . والذي تكون في يده يكون النصر له . . والذي لا تكون الجوائز في يده تكون الهزيمة من نصيبه ، قبض الريح يبقى له والخيبة والفشل. . .
وكانت جوائز حرب السويس ثلاث :
- قناة السويس وفي يد من هي؟ . .
- وصحراء سيناء وفي يد من هي؟ . .
- وقطاع غزة وفي يد من هي؟ . .
وبعد انتهاء المعارك كانت هذه الجوائز كلها في يد مصر : . .
- القناة سليمة تحت سيطرتها وارادتها. . .
- وصحراء سيناء جزء من سيادتها. . .
- وقطاع غزة أمانة في عهدتها. . .
. . . واذن ، كان انتصارا كاملا".
_______________
الأستاذ: محمد حسنين هيكل