أفريقيا وطريق الحرير

كتب / سيف عمرو - الباحث بنموذج محاكاة الاتحاد الافريقي، مصر
خلال العقود الماضية، ظهرت الصين كقوة اقتصادية، سياسية ،وعسكرية كبرى. وذلك مع الفراغ الاستراتيجي الذي أدى إليه انحدار روسيا كقوى كبرى في أوائل التسعينات. وكما عهد إلينا التاريخ أن القوى الكبرى لا تسلم من الأعداء فإن الصين تواجه القوى المهيمنة منذ تسعينات القرن الماضي، الولايات المتحدة الأمريكية. ومع الرجوع إلى المناقشة "هل هناك حرب باردة بين الصين وأمريكا؟" ، سواء اختلفنا أو أتفقنا على هذا المسمى ، فإن هناك صراع واضح بين طموح الصين الصعودي والخوف الأمريكي على المكانة ، مما أدى إلى اضطراب شكل النظام العالمي بين أحادي القطب، ثنائي القطب، متعدد الأقطاب (خاصة مع عودة روسيا). وكما هو معلوم فإن القوى الصغرى والقوى الإقليمية تتوه وتتشتت أهدافها وخططها مع هذه التغيرات والصراعات.
وفي أعقاب بداية الحرب الباردة الصينية-الأمريكية، ظهرت العديد من مناطق الصراع والنزاع بين العملاقين مثل أزمة تايوان التي تمتد إلى العديد من العقود ولكنها عادت للظهور على مسرح السياسة الدولية مؤخراً. وكذلك الحرب التجارية التي أبرز أول بذورها الرئيس السابق ترامب في منتصف القرن الفائت والتي تثبت بشكل صريح تحول أساس القوة في العلاقات الدولية من الارتكاز على القوة العسكرية إلى الارتكاز على القوة الاقتصادية والقوة التجارية.
ومن مناطق الصراع في الحرب التجارية الأمريكية-الصينية، مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينج في 2013م والتي تهدف إلى إحياء طريق الحرير الصيني التراثي الذي يربط بين قارات أسيا وأفريقيا وأوروبا، حيث يمتد من الصين شرقاُ إلى إيطاليا غرباً، ويهدف طريق الحرير إلى تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية دولياً وإقليمياً بين الدول التي سيمر بها سواء براً أو بحراً. وتتكون المبادرة من "الحزام" وهو طريق بري يربط بين الصين وباقي دول أسيا ومنه إلى أوروبا وأفريقيا، "الطريق" وهو الطريق البري الذي يربط الصين بدول جنوب شرق اسيا ومنها إلى افريقيا. وبعد ذلك تحديد ست ممرات اقتصادية تربط بين الحزام والطريق.
وبالنظر تحديداً على افريقيا فنجد أن طريق الحرير يعتبر من أكثر المشروعات العالمية التي ستنفع القارة الإفريقية اقتصاديا. حيث أن دخول الصين كمستثمر في المنطقة الإفريقية يعنى الانتفاع بخيرات هذا المشروع، فمن المقرر الانفاق من الجانب الصيني حوالي تريليون دولار على مبادرة الحزام والطريق، وهذا التريليون ليس فقط للطرق ولكن ايضاً للاستثمارات التي ستخدم سير المشروع في الدول التي سيمر بها، وظهر ذلك في الاستثمارات في منطقة قناة السويس المصرية. بالإضافة إلى أن المشروع من المقرر أن ينتهي بحلول عام 2049م، وتبعاً لتلك المدة الطويلة، فإن الصين تظهر من جانبها الاستعداد للتعاون مع الدول المار بها الطريق وظهر ذلك في بروتوكولات التعاون التي وقعتها الصين مع العديد من الدول بخصوص طريق الحرير وبعض الاستثمارات الاخرى داخل البلاد. وبجانب ذلك، فإن الصين تبادر من جانبها لتنسيق الاستراتيجيات بعيدة المدى للدول مثل التنسيق بين مبادرة الحزام والطريق مع استراتيجية مصر 2030، مما يعني إمكانية التنسيق بين مبادرة الحزام والطريق والاستراتيجية الإفريقية للاتحاد الإفريقي 2063. وحديثا أيضاً على منطقة التجارة الحرة الإفريقية، فإن طريق الحرير سيساعد في عملية تحويل دول القارة من مجرد مصدرين للمواد الخام والموارد الطبيعية لمنتجين لسلع.
وعلى جانب السياسة فإن طريق الحرير الصيني يمثل جانب مهم من انتقال بسط السيطرة على القارة الإفريقية من أوروبا وتحديدا فرنسا إلى الصين وذلك عن طريق السيطرة على التجارة الإفريقية، وذلك يعد جزء أكبر من خطة الصين للتوغل في القارة الإفريقية والتي بدأت بإنشاء قواعد عسكرية صينية مثل التي في جيبوتي، وايضاً التوغل عن طريق بناء البنية التحتية الإلكترونية للدول بتقنية الجيل الخامس التي تحتكرها الصين، ويتم بناء هذه البنية التحتية عن طريق الذراع التنفيذي للحكومة الصينية شركة "هواوي"، وتلك التقنية ستمنح للحكومة الصينية الفرصة للاطلاع على معلومات الدول التي تستخدم هذه البنية التحتية.
ونأتي لسؤال مهم، كيف يمكن تعظيم الاستفادة من طريق الحرير كقارة أفريقية؟
أول وأهم محور يجب أن يتم هو مكافحة الفساد، حيث أن الفساد السياسي يمكن أن يهدر الجهود والموارد والمال العام دون الاستفادة من أي استثمار صيني في المنطقة الأفريقية، بالإضافة إلى تعطيل مشروعات تنمية البنية التحتية اللازمة لاستخدام طريق الحرير، بالتالي يجب على الحكومات الاعتماد على مشروعات الحوكمة الاقتصادية والسياسية للحد من آثار الفساد. ثاني محور هو عدم إهمال الجانب البيئي ليتماشى مع أهداف التنمية المستدامة التي تركز بشكل كبير على المحاور البيئية، حيث أن دمج الأهداف التنموية وخاصة الجانب البيئي منها مع الفرص الاقتصادية الهائلة التي تبشر بها مبادرة الحزام والطريق يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل مما هو متوقع على المدى القصير والبعيد. ثالثاً، على القارة الأفريقية أن تقوي من أواصر الترابط بين دول القارة نفسها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، للعمل ككيان موحد له صوت واحد وظهرت بوادر هذا الترابط في مشروع المنطقة الاقتصادية الإفريقية وقبل ذلك بعقود في فكرة الاتحاد الإفريقي.