زيارة الرئيس جمال عبدالناصر للملكة المغربية عام ١٩٦٥

بدأت زيارة الرئيس جمال عبدالناصر إلي العاصمة الرباط على إثر انتهاء مؤتمر القمة العربية الذى أقيم بالدار البيضاء. غادر الرئيس جمال عبدالناصر برفقة سمو الأمير عبدالله بن محمد ولي العهد المغرب، واستقل الرئيس جمال عبدالناصر القطار الخاص إلى العاصمة الرباط، وبرفقته السادة زكريا محي الدين وأنور السادات و السفير محمود فوزي والمرافقون.
وكان في الاستقبال عند الوصول جلالة الملك الحسن ملك المغرب، والشخصيات الرسمية ورجال السلك الدبلوماسي والسياسي، وعند المنصة الرسمية شرب الرئيس جمال عبدالناصر اللبن وأكل التمر وهو تقليد مغربي عند استقبال العظماء. عزفت الموسيقي العسكرية السلام الوطني للبلدين، واستقل الرئيس ناصر والملك الحسن سيارة مكشوفة وسط الآلاف من الجماهير التي اصطفت على جانبي الطريق، وأخذت تهتف بحياة الضيف العربي الكبير جمال عبدالناصر كما هتفت بحياة القطرين العربيين الشقيقين، كما أخذت تحيي كفاح ونضال المخلصين العرب من أجل حرية بلادهم، وردا العاهلان الكبيران ناصر والحسن التحية للشعب المغربي الذى أخذه الحماس بهذا اللقاء المجيد، ووسط هذه المناظر الخلابة وصل الركب إلى قصر دار السلام الملكي الذى أُعد لضيافة الرئيس جمال عبدالناصر ومرافقيه.
وفي المساء أقام جلالة الملك الحسن مأدبة عشاء رسمية في قصر الرياض تكريما للرئيس جمال عبدالناصر ومرافقيه، دُعي إليه كبار الشخصيات الرسمية ورجال السلك الدبلوماسي والسياسي المغربية والعربية.
وفي صباح اليوم التالي قصد الرئيس ناصر ضريح المغفور له الملك محمد الخامس، حيث قرأ الفاتحة على روحه الطاهرة، رافق الرئيس كلا من؛ السيد زكريا محي الدين والسيد أنور السادات والسفير محمود فوزي وكبار الشخصيات المغربية.
وبمناسبة زيارة الرئيس جمال عبدالناصر الرسمية إلى المغرب، أقام السفير حسني عبد المجيد سفير مصر لدي المملكة والسيدة عقيلته حفل استقبال حضره الرئيس جمال عبدالناصر وجلالة الملك الحسن، والوزراء المغربيون، ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية، والعربية، وكبار الشخصيات المغربية. وبعد ذلك استقبل الرئيس ناصر بقصر الضيافة السادة سفراء الدول العربية، حضر اللقاء كلا من؛ السيد زكريا محي الدين، والسيد أنور السادات، والسفير محمود فوزي، والسفير حسني عبد المجيد، وقد اجتمع الرئيس بالسادة السفراء بعض الوقت.
وفي المساء أقام الرئيس جمال عبدالناصر مأدبة عشاء بقصر الرياض تكريما لجلالة الملك الحسن، وذلك بمناسبة مغادرة سيادته للرباط. وقد دُعي إلى المأدبة كبار الشخصيات المغربية والعربية، ورؤساء البعثات الدبلوماسية.
وفي صباح اليوم التالي صحب جلالة الملك الحسن الرئيس جمال عبد الناصر لزيارة مدينة مكناس، والتي تقع شمال المملكة المغربية في هضبة سايس على بعد ١٤٠ كيلو متر شرق العاصمة الرباط، وتحرك الركب من القصر إلي مكناس وكانت القرى التي يمر بها العاهلين الكبيرين تستقبلهما بالهتافات المدوية والتصفيق والتهليل.
وفى مكناس خرجت المدينة كلها تستقبل ضيف المغرب استقبالا رسميا وشعبيا؛ ارتفعت فيه هتافات الجماهير لتحية الرئيس ناصر وجلالة الملك الحسن، وقدمت الورود إلى الرئيس عبدالناصر.
وغادر موكب الرئيس ناصر والملك الحسن مدينة مكناس متوجها مدينة إفران مخترقا تلك البلدان التي احتشدت بالجماهير وازدانت بالأعلام واللافتات التي كتبت عليها كلمات الترحيب بالرئيس جمال وعبدالناصر. ووصل الركب إلى إفران إحدى أجمل وأقدم المدن المغربية الجبلية والعالمية، والتي تمتاز أيضا بالبرد القارس والثلوج التي تغطي سفوح جبالها على ارتفاع ١٦٠٠ متر في الخريف والشتاء، واعتدال الجو في الربيع والصيف، وتجذب الزوار من جميع أنحاء العالم بشلالاتها المائية وطبيعتها الخضراء. واستراح الرئيس ومرافقيه بالقصر الملكي بقية اليوم.
وفي صباح اليوم التالي اصطحب جلالة الملك الحسن الرئيس ناصر إلى مكان الاحتفال الذي أُقيم في جبال الوادي الفسيح في قلب جبال الأطلس تكريما لسيادته، وبمناسبة زيارته لهذه المنطقة. وقد اشترك في هذا الاحتفال القبائل العربية التي تسكن هذه المنطقة.
وتصدرا الرئيس ناصر والملك الحسن المنصة الرئيسية والتي تطل على مكان العرض ومعهما سمو العهد والوفد المصري، وعرضت الفرق المشاركة الرقصات الوطنية بالمناصفة بين الرجال والفتيات مرتدين الأزياء الشعبية والوطنية، بينما أخذ الفرسان يطلقون الرصاص وهم على ظهور الجياد ترحيبا بالرئيس جمال عبدالناصر، وتعبيرا عن تقدير الشعب المغربي للرئيس ناصر والشعب المصري الشقيق.
وفي المساء، اجتمع الجانبان المصري والمغربي برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر والملك الحسن، وقد صدر بيان مشترك عن هذا الاجتماع؛ أكد أن زيارة الرئيس ناصر للمغرب تأكيدا لالتحام المشرق العربي والمغرب العربي ليسيرا معا في طريق الأمل العربي الكبير نحو التحرر والوحدة.
وفي صباح اليوم التالي، اصطحب جلالة الملك الحسن الرئيس جمال عبدالناصر إلى مطار مكناس لوداع سيادته عند سفره عائدا إلى القاهرة بعد انتهاء زيارته الرسمية للمغرب. وقد ودع الرئيس وداعا رسميا حافلا وتعانق العاهلان الكبيران تعانق الأخوة والمحبة.
وعن هذه الزيارة يقول محمد حسنين هيكل في كتابه «سنوات الغليان» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة»: «كانت أمامهما صحبة تمتد خمسة أيام بلياليها، وكان الحسن اتفق مع عبدالناصر على أن يبقى بعد انتهاء المؤتمر لعدة أيام يقوم فيها بزيارة للمغرب، وكان الملك يريد أن تكون الزيارة مزيجا من العام والخاص، ولذلك حرص على أن يتضمن البرنامج زيارات لبعض مدن المغرب الرئيسية (الرباط، مكناس، ايفران)، كذلك كان حريصا على أن يجعل البرنامج مفتوحا إلى أكبر حد ممكن، حتى يتيح لنفسه ولضيفه فرصة كافية لأحاديث طويلة».
في يوم الثلاثاء ٢١ سبتمبر عام ١٩٦٥م، عقد الملك والرئيس أهم اجتماع بينهما في قصر «ايفران» الواقع وسط الجبال المغطاة قممها بالثلوج في أجمل منطقة من مناطق المغرب، وحسب هيكل: بدأ الملك بأن أشار إلى قلقه من الخطة التي عرضت على المؤتمر لتحرير فلسطين، وأبدى تخوفه من أن مثل «هذه الأوهام» كتبت على ورق، وعلق عبدالناصر على ذلك بقوله، إنه من سوء الحظ أن بعض الزعماء العرب لا يفرقون بين «القدرة على الحلم» و«القدرة على الفعل»، وأنه أول من يعرف أن المعركة مع إسرائيل حتمية، لكن أوانها مازال في مستقبل بعيد لم تتوفر شروطه حتى الآن، وهو «لم يجد غضاضة في أن يصارح الجماهير العربية بذلك رغم أنه كان يعرف مقدما أن هذه المصارحة ستعرضه لانتقادات من جانب البعض».
راح «عبدالناصر» يشرح تصوراته لتوجهات العمل العربي في المرحلة القادمة، وكان تقديره «أن المعركة الحالية والدائرة فعلا والموجبة لاهتمام العالم العربي كله هي معركة الجنوب العربي والخليج العربي، فهذه آخر معاقل السيطرة البريطانية في الشرق العربي، وقال، إن قيام ثورة في اليمن طرح بشدة مسألة تحرير الجنوب والخليج، ورفعها إلى أعلى في قائمة الأولويات العربية، فالإنجليز الذين يركزون جهدهم الآن ضد الثورة اليمنية لا يفعلون ذلك بسبب اليمن ذاته، ولكن بسبب رغبته في تسوية الأوضاع في الجنوب العربي وفى الخليج، في غيبة من أي تواجد أو تأثير لبقية الأمة العربية»، ثم أبدى عبدالناصر أن «الملك شاهد على كل الجهود التي بذلها من أجل تصفية الأجواء في العلاقات بين مصر والسعودية، وأنه لهذا السبب ذهب مبادرا إلى مقابلة الملك فيصل في جدة الشهر الماضي، وكان بين أهدافه أن يكون الملك على ثقة أن المطلوب الأول في شبه الجزيرة العربية ليس هو إحراج السعودية، ولكن إخراج بقايا السيطرة البريطانية من الجنوب العربي والخليج، وأنه حاول قدر ما يستطيع طمأنة الملك، ولكن المشكلة تكمن في أن بعض العناصر والمصالح تركز جميعا على إثارة مخاوف الملك، بينما يرى هو «أي جمال عبدالناصر» أن استكمال مهام تحرير الجنوب والخليج هو دعم للسعودية وليس تهديدا لها.
قال الملك، إنه يريد أن يفتح قلبه للرئيس، فهو شديد الإحساس في أعماقه بالصلات التاريخية والثقافية بين مصر والمغرب، وهو لا يستطيع أن ينسى لمصر دورها في مقاومة المخطط الاستعماري الذى أبعد والده عن العرش، كذلك فهو مؤمن بأن مستقبل المغرب موصول بالعلاقات مع المشرق وبدور مصر فيه، ثم أشار إلى أنه ليست هناك خلافات بين البلدين سوى أن بعض الساسة المغاربة من المعارضة يستغلون صلاتهم بمصر وبالرئيس شخصيا، وهذا الوضع يحدث التباسا في العلاقات بين البلدين تستحسن مواجهته بالمصارحة والاتصال الدائم، وأشار الملك بوضوح إلى النشاط الذى يقوم به الزعيم المغربي «المهدى بن بركة»، وقال «جمال عبدالناصر» إنه يعتبر «بن بركة» صديقاً، وهو رجل يقوم بدور كبير في الحركات السياسية التي يزخر بها العالم الثالث، وأضاف عبدالناصر أنه يخشى أن يكون هناك من يضخمون الأمور أمام الملك، وألمح إلى الدور الذى يقوم به الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية، لكنه أكد على أن آخر ما يفكر فيه هو أن يقحم نفسه على الشؤون الداخلية للمغرب.
للمزيد من الصور اضغط هنا