زيارة الرئيس جمال عبدالناصر إلي جمهورية تنزانيا الاتحادية عام ١٩٦٦

زيارة الرئيس جمال عبدالناصر إلي جمهورية تنزانيا الاتحادية عام ١٩٦٦

وصل الرئيس جمال عبد الناصر في الثاني والعشرين من سبتمبر العام ١٩٦٦ ميلاديا إلى مطار دار السلام في زيارة رسمية إلي دولة تنزانيا علي رأس وفد مصري يتكون من؛ السيد زكريا محي الدين نائب رئيس الجمهورية، والسيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة، اللواء صلاح محمد نصر رئيس جهاز المخابرات العامة، السفير محمود رياض وزير الخارجية، السيد محمد فائق وزير الإرشاد القومي، والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام، وكان في استقبالهم الرئيس التنزاني جوليوس نيريري، وحشد كبير من الشخصيات الرسمية التنزانية.

وعلى طلقات المدافع اعتلا الرئيسان المنصة الرسمية، حيث عزفت الموسيقي العسكرية السلام الوطني للبلدين، وكان الاستقبال أروع وأعظم استقبال لقيه رئيس دولة زار تنزانيا؛ فقد لبست العاصمة حلة من الزينات رفعت فيها الاعلام العربية في كل مكان واستقبلت الجماهير الرئيس جمال عبد الناصر بالهتاف والرقص ودق الطبول.

تحرك موكب الرئيسين من المطار إلي قلب المدينة بين مظاهرة شعبية لم تشهدها المدينة من قبل، وقد اصطف على طول الطريق مئات الألوف من سكان العاصمة التنزانية، ومن المدن والقري المجاورة، والذين جاءوا من جارتي تنزانيا؛ كينيا وأوغندا، واخذت هذه الوفود الجماهيرية تحيي الزعيم جمال عبد الناصر الذي سحق الاستعمار وحقق لبلاده النصر.

وصل موكب الرئيسين إلى قصر الضيافة، وفي حديقة القصر كانت فرق الرقص الشعبي وقارعي الطبول يرقصون بملابسهم الزاهية الألوان، وفي داخل القصر استراح الرئيس جمال عبد الناصر ومرافقوه لبعض الوقت.

وفي المساء، أقام الرئيس جوليوس نيريري مأدبة عشاء في القصر الجمهوري تكريما للرئيس ناصر والوفد المرافق لسيادته، حضره كبار رجال الدولة والحزب في تنزانيا، ورجال السلك السياسي وعائلاتهم. وقد اُستقبل الرئيسان عند وصولهما إلى القصر بالحفاوة والترحاب، وتصدرا المائدة الرئيسية وألقي الرئيس جمال عبد الناصر كلمة جاء نصها كالتالي: الصديق العزيز الرئيس "جوليوس نيريرى"..

أيها الأصدقاء والضيوف:

مازلت - أيها الصديق - أذكر كلمة سمعتها منك عندما كنت تزور بلادنا وشعبنا رسمياً في أعقاب المؤتمر الإفريقي الثاني في القاهرة في شهر يوليو سنة ١٩٦٤، في ذلك الوقت سمعتك تقول إن هناك مثلاً شعبياً ترددونه في تنزانيا يقول: إن أبلغ تعبير عن الشكر والامتنان إزاء مشاعر التكريم والحفاوة التي يلقاها الضيف هو أن يسعد بكرم الضيافة سعادة كاملة، وذلك - أيها الصديق - ما فعلناه منذ وصلنا هذا اليوم إلى دار السلام ولقيناك ولقينا شعب تنزانيا العظيم، وأحسسنا بكل الصداقة والود، بل وأحسسنا أكثر من ذلك بأخوة النضال ووحدة الأمل.

إن أخوة النضال ووحدة الأمل فيما بين تنزانيا وبين الجمهورية العربية المتحدة هي حقيقة جغرافية وتاريخية إلى جانب كونها حقيقة سياسية واجتماعية وفكرية، وتلاقى الحقائق في علاقتنا وتفاعلها لا يربط الماضي بالحاضر فحسب وإنما يمد الرباط إلى الأرض وإلى الإنسان، ويفتح للمستقبل الذى نقف على أبوابه بالإرادة الحرة لشعوبنا أوسع وأرحب الآفاق.

وهنا - أيها الصديق - في داخل هذا البلد طريق يقود مباشرة إلى الجمهورية العربية المتحدة، طريق يمتد بإرادة الله وبغير عوائق من بحيرة فكتوريا إلى القاهرة ليتفرع بعد ذلك فرعين إلى رشيد ودمياط، طريق يجرى منذ الأبد وإلى الأزل على بدايته، هنا شعبكم العظيم وعلى نهايته هناك شعب مصر صانع أول حضارة إفريقية، أول حضارة إنسانية.

والنيل الذى يبدأ مسيرته المباركة من أرضكم - أيها الإخوة - ليس مجرد طريق مرور من قلب القارة الإفريقية المجيدة إلى شواطئ البحر الأبيض فحسب؛ وإنما هو طريق حياة بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان وما تنطوي من أبعاد.

وفوق ذلك فإن الحضارات الإسلامية والعربية أقامت بيننا صلات فكرية وروحية لها تأثيراتها برغم كل المحاولات التي بذلها الاستعمار الأجنبي الاقتصادي والعسكري ببذر الشكوك وإيقاظ الفتن. وفيما يتعلق بالحقائق السياسية والاجتماعية والفكرية ودورها في أخوة النضال ووحدة الأمل فيما بيننا، فدعني أقول لك - أيها الصديق - إن شعبنا تابع نضالك هنا بإعجاب متزايد وبتقدير عميق؛ لقد تابعنا الدور الذى تمت به قيادة الثورة الوطنية حتى تمكنت من الوصول بها إلى مرحلة الاستقلال وبعد الاستقلال، وفى مواجهتك للمرحلة الحاسمة في حياة أي شعب وهى المرحلة التي يمسك فيها بزمام إرادته، ويبدأ بعدها في تحقيق الآمال الطويلة التي رافقت كفاحه من أجل الحرية السياسية.

ولقد كنا نعجب كل الإعجاب بجهودكم الداعية إلى تأكيد الوحدة القومية والوطنية والثقافية لشعبكم، مدركين أن ذلك الطريق وحده هو طريق تحقيق الحرية الاجتماعية تدعيماً للحرية السياسية وحماية لها، ثم هو طريق التقدم والتنمية وإعادة البناء في كل المجالات واللحاق بالمستقل وبالحياة الجديدة الكريمة التي تأمل فيها وتعمل من أجلها كل الشعوب المتطورة في عصر تفجير الذرة وغزو الفضاء. ولقد استطعتم تعميق ذلك كله بالنظرة الواسعة والشاملة إلى إفريقيا كلها وإلى حريتها وإلى رخائها، وأصبحت هذه الأرض منذ اليوم الأول الذى استعادت فيه حريتها بنضالها أرضاً لنضال الحرية في القارة بأسرها، وبذلك فإن اختيار منظمة الوحدة الإفريقية لدار السلام كي تكون مقراً للجنة التحرير الإفريقية كان اختياراً طبيعياً قرره من قبل شعبكم وصدقت عليه القارة بكل شعوبها إيماناً وثقة بالحرية وبالوحدة.

إنكم هنا مركز متقدم لنضال الحرية الإفريقية، قريب من معاقل السيطرة الاستعمارية والعنصرية صلب وثابت، كما أنكم هنا بالوحدة التنزانية لتنجانيقا وزنزبار تجربة مثيرة بالنسبة لمستقبل إفريقيا التي استباحها الاستعمار الأجنبي على مدى قرون ميداناً لنيران الفتنة القبلية والعنصرية والدينية؛ بغية التمكين لسيطرته السياسية والاقتصادية.

أيها الصديق العزيز.. أيها الأصدقاء:

إنني أحمل إليكم هنا تحية الشعب المصري العربي الإفريقي وتقديره لنضالكم المتصل وثقته في نجاحكم، واستعداده المطلق والمخلص للتعاون معكم في جميع المجالات وبغير تحفظات إيماناً بأخوة النضال وبوحدة الأمل، نضال وأمل من أجل شعبينا، ومن أجل قارتنا، ومن أجل عالمنا الذى يواجه اليوم أخطاراً هائلة تقتضى تضافر جهود كل المؤمنين بالسلام القائم على العدل.

أيها الإخوة:

أدعوكم أن تقفوا معي تحية للصديق العزيز الرئيس "جوليوس نيريرى" والسيدة حرمه ولحكومة تنزانيا وشعب تنزانيا المجيد.

للمزيد من الصور اضغط هنا