عبد الناصر وعيد الفلاح

بقلم: عمرو صابح
كان وعي جمال عبد الناصر بالتاريخ حيًّا متقدًا، يدرك رموزه ويستحضر دلالاته. لذلك لم يكن اختياره يوم التاسع من سبتمبر محض صدفة، بل قصد أن يجعله عيدًا للفلاح المصري عبر إصدار قانون الإصلاح الزراعي الأول في 9 سبتمبر 1952.
ففي اليوم ذاته، قبل واحد وسبعين عامًا، وقف الزعيم الوطني أحمد عرابي، قائد الفلاحين، في ساحة قصر عابدين، يواجه الخديوي توفيق وقناصل الدول الأجنبية. هناك دوّى صوته المدوّي باسم مصر، معلنًا أن لهذه الأرض رجالًا يذودون عنها مهما اشتد بطش الطغاة وتكالب المستعمرين.
وفي أدبيات الأسرة العلوية ظل لقب عرابي هو "زعيم الفلاحين"، وبعد عقود من خفوت صوته وهزيمة ثورته، جاء عبد الناصر ليكمل المسيرة؛ فطرد الإنجليز، وردّ للفلاحين بعضًا من حقوقهم المسلوبة، مؤكدًا أن جذوة عرابي لم تنطفئ، وأن بذوره أنبتت ثمارًا بعد حين.
في يوم توقيع معاهدة الجلاء مع أنطوني ناتنج، وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، أمر عبد الناصر أن تُعلَّق صورة ضخمة لأحمد عرابي في الطريق إلى قاعة التوقيع، ليظل حاضرًا شاهدًا على أن الإنجليز الذين أسقطوا ثورته غادروا مصر أذلاء بعد أكثر من سبعة عقود. كان المشهد رسالة بليغة: قد يتأخر النصر، لكنه قادم لا محالة.
إنها الكرامة، تلك القيمة التي لا تُشترى ولا تُباع، والتي صنعت الأمس، وتبني الغد.