عبد الناصر وحركات التحرر.. انتفاضة الماو ماو قضية أفريقية
تُعدُّ البرتغال أول دولةٍ استعمارية وصلت بعثاتها الاستكشافية إلى شواطئ إفريقيا الغربية، فاتحةً بذلك صفحة الاستعمار الحديث في إفريقيا.
ففي العام ١٤٨٨م، اكتشف البرتغالي بارثولوميو دياز طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا. وبعد مرور عقد زمنى، قام البرتغالي “فاسكو دا غاما” بالإبحار حول رأس الرجاء الصالح عام ١٤٩٨م، ووصل إلى الساحل الكيني. وفي القرن السادس عشر استطاع البرتغاليون الاستيلاء على المنطقة الساحلية، وأغاروا على مدينة مومباسا خمس مرات وبسطوا سيطرتهم على ساحل شرق إفريقيا، ثم صوّبوا أعينَهم تجاه عُمان، الذين كانوا يعتبرونها المنافس التجاري لهم في القارة الآسيوية، فأرسل ملك البرتغال حملةً بحرية بقيادة ألفونسو دي ألبوكيرك عام ١٥٠٧م إلى جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط، و في العام ١٨٠٥م نفذت البرتغال هجوماً مباغتاً على السفن العُمانية، واحتلوا قلعة قلهات وقريات، ومسقط، وخورفكان، وصحار.
ثم احتل ألبوكيرك مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يفصل بين مياه الخليج العربي وخليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي، وأسّس فيها أول قلعة برتغالية في الخليج، واستمرت السيطرة البرتغالية على السواحل العمانية وسواحل شرق إفريقيا لأكثر من مئة عام، حاول خلالها العثمانيون طرد البرتغاليين من هذه المنطقة.
وفى عام ١٥٥٨م، استغاث العمانيون بسنان باشا الوالي العثماني في اليمن، في زمن السلطان مراد الثالث، فأرسل سنان باشا حملة بحرية بقيادة الباي أمير علي بك فحاصر مدينة مسقط ودخلها، ثم سار فهاجم المراكز البرتغالية في شرق إفريقيا وأبرزها مدينة مومباسا. إلا أن حملته فشلت بسبب خيانة أحد القبائل الإفريقية له (والمعروفة باسم بازمبا)، وثانيها وصول الدعم للبرتغاليين عبر مضيق هرمز، وتم أسر علي بك واقتياده إلى لشبونة. بعدما كاد العثمانيون أن يحرروا الساحل الإفريقي من البرتغاليين.
فكَّر البرتغاليون بضرورة تقوية وجودهم العسكري في تلك المنطقة، وإنشاء حامية عسكرية لهم في ذلك المكان، فأنشأوا حصناً لهم أسموه (قلعة المسيح)، بُني على شكل صليب، وكان الهدف منه هو السيطرة على التجارة والملاحة في المحيط الهندي وهو الذي عُرف فيما بعد بقلعة مومباسا عام ١٥٩٣م.
حتى جاء العام ١٦٤٩م، ليبدأ العُمانيون خطواتهم نحو التحرر تحت قيادة الإمام العُماني ناصر بن مرشد اليعربي، مؤسس دولة اليعاربة، الذي كان قد استطاع أن يكون جيشا وأسطولا بحريا، مستغلاً انشغالات البرتغال في حروبها البحرية مع هولندا وإنجلترا وفرنسا. وتمكن الجيش العماني من اقتحام الأبواب والدخول إلى المدينة، وفرض حصار مشدد على الحامية البرتغالية، وانتصر في النهاية على البرتغاليين وطردهم من مسقط، ومدن عُمانية أخرى بعد سلسلة معارك حقق فيها نجاحات عسكرية باهرة، حتى استطاع تحرير عُمان عام ١٦٥٠م.
ولم يكتفِ السلطان العُماني بطرد البرتغاليين من البلاد فقط، بل ظلّ يطاردهم وأرسل أساطيل هاجمت القواعد البرتغالية في سواحل الهند وإفريقيا، ومنذ عام التحرير حتى نهاية القرن السابع عشر، بدأت سلطنة عمان بتشكيل أسطولها البحري العسكري الضخم، بالاعتماد على الأسطول البرتغالي الذي سيطروا عليه وتطويره، ليتكوّن لهم نفوذ كبير على المحيط الهندي، وليستطيعوا إنهاء الوجود البرتغالي من المنطقة بشكلٍ تام، خصوصاً من الساحل الإفريقي، القريب من ساحل سلطنة عمان نسبياً.
وبعد خسارتهم عُمان حاول البرتغاليون أن يحافظوا على سيطرتهم على بعض سواحل شرق إفريقيا بالحديد والنار لقمع أي محاولة تحرر في هذه المناطق، إلا أنهم كانوا على موعد مع الأسطول العُماني الفتي الذي وجّه أنظاره للسيطرة على الساحل الإفريقي.
وفي عام ١٦٦٠م، شنّ الأسطول العُماني حملات ضد البرتغاليين في مدينة فازا وباتا الإفريقتين، في غينيا الأستوائية حالياً، وسيطر على كل الساحل الإفريقي ما عدا قلعة يسوع ومومباسا وزنجبار. وفي العام ١٦٩٤م، استنجد أهالي مومباسا وزنجبار بالسلطان العُماني لنجدتهم من البرتغاليين الذين ارتكبوا مجازر ضد السكان المحليين، لقمع حركة التمرد التي قام بها حاكم مومباسا السلطان حسن. فلبّى الإمام العُماني سلطان بن سيف اليعربي النداء، وتوجه بجيشه وأسطوله إلى سواحل شرق إفريقيا، ونجح في عام ١٦٩٦م بتدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في جزيرة بمبا احدى جزر زنجبار، ثم توجه إلى قلعة مومباسا، وحاصرها وسيطر عليها وحررها من البرتغاليين وعين عليها والياً عُمانياً هو الشيخ ناصر بن عبد الله المزروعي.
ولكن ما أن حرر العُمانيون مومباسا وزنجبار حتى حدثت صراعات داخلية بين القيادات في مومباسا، وانقلب مجموعة من الضباط على الشيخ ناصر، وعين شخص يدعى سيس رومبي، والياً عليها، الأمر الذي مكَن البرتغاليون من استعادتها تحت سيطرتهم من جديد.
وما أن علم سلطان عُمان بذلك حتى أرسل أسطوله مرة أخرى وحاصر قلعة مومباسا حصاراً طويلاً ومحكماً لأكثر من عامين، منذ العام ١٦٩٦م إلى عام ١٦٩٨م، وتمكن من هزيمة البرتغاليين الذين أنهكهم الحصار والمرض، وطردهم من مومباسا بعد استسلامهم، وجعل مدينة زنجبار عاصمة عمان.
واستمر الحكم العربي العماني لزنجبار عقوداً طويلة من الزمن، حتى وفاة السلطان سعيد بن سلطان عام ١٨٥٦م، تم تقسيم المملكة إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار بعد نزاع بين ابنيه ماجد وثويني، اللذان طالب كلهما بلقب السلطان، وعُيِّن ماجد بن سعيد حاكماً على زنجبار، وشغل منصب السلطان من العام الذي توفي فيه والده حتى عام ١٨٧٠م عندما وافته المنية، ثم تولى أخوه برغش بن سعيد الحكم حتى عام ١٨٨٨م.
وفي عهد برغش ازدهرت زنجبار، حيث تم بناء الجسور والطرق والمباني الحديثة والمستشفيات، وكانت مومباسا مدينة بارزة تحت إدارة زنجبار وتحتاج إلى أن يحكمها شخص مناسب فعين السلطان مواطنه العماني سالم بن خلفان واليًا لمومباسا عام ١٨٨٤م.
وشغل سالم منصب الوالي في مومباسا حتى عام ١٩١٢م، حيث كان يترأس الاجتماعات العامة التي يستطيع العام الإدلاء بآرائهم فيها ويتم النظر فيها من قبله، وفض المنازاعات بين اهالي مومبسا، وكان يسافر مرة في السنة إلى زنجبار ليبلغ السلطان بالأحوال ويتلقى راتبه، وكان راتبه يعتمد على ما إذا كان السلطان مسرورًا بأدائه أم لا، وبشكل عام، فقد كانت قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة إحدى السمات التي ساهمت في طول فترة ولايته.
وقبل أن يصبح سالم واليًا، كان قد أنجب ابنًا من امرأة اثيوبية، اسماه علي، وفيما بعد سار علي على خطى والده حيث تعاون كل من الأب والابن مع البريطانيين خلال انتفاضة مزروعي عام ١٨٩٦م، وبعد ذلك تم إرسال علي إلى جامعة أكسفورد ليدرس اللغة الإنجليزية.
وبين نهاية الحرب ومغادرة علي إلى إنجلترا، سلم سلطان عمان آنذاك قلعة مومباسا - حصن يسوع - إلى البريطانيين، وكانت هذه هي بداية الإدارة المزدوجة على ساحل شرق إفريقيا، حيث بدأ جميع الولاة التابعين للسلطنة في تلقي رواتب من البريطانيين الذين أصبح لهم الآن رأي في الأدوار القيادية، وعند عودة علي، قام البريطانيون بترقيته إلى منصب نائب الوالي، كمساعد لوالده، وفي عام ١٩١٢م، منح الملك جورج الخامس سالم بن خلفان وسام القديس ميخائيل والقديس جرجس للخدمات التي قدمها لبريطانيا فيما يتعلق بالعمليات العسكرية خلال انتفاضة مزروعي، وعندما تنحى سالم عن منصب الوالي، حل ابنه علي محله، وأصبح يُعرف في النهاية باسم السير علي بن سالم، وعندما بدأ تحديث مومباسا في عام ١٩٠٧م ، كان علي بن سالم حريصًا بشكل خاص على بناء الطرق التي اعتبرها أداة أساسية لتطوير المدينة، حيث اشترك في لجنة الطرق في عام ١٩٠٩م واقترح بناء طريق رئيسي ضخم يمتد مباشرة عبر الجزيرة من معبر فريتاون الى جزيرة ليكوني، ولأنه أراد تسمية هذا الطريق باسم والده، فقد أخذ على عاتقه مهمة شراء الأرض لبناء هذا الطريق ودفع تعويضات لأصحاب الأرض والأشجار التي يجب قطعها لبناء الطريق، وفي عام ١٩١٠م قام بتبادل مئة فدان من الأرض مع الحكومة الاستعمارية مقابل قطعة أرض في كيلينديني وخريطة للمنطقة، وعلى الرغم من بطء وصعوبة بناء طريق سالم، فبحلول عام العام ١٩١٤م، كان الطريق قد اكتمل وسمي على اسم سالم بن خلفان.
وقد اشتهر طريق سالم بسوق ماكينون الصاخب الذي افتتح في نفس العام وسمي على اسم الحاكم الاستعماري في ذلك الوقت، السير هنري ماكينون، وبينما ظل السوق مركزًا تجاريًا مهمًا حتى الآن، فبعد الاستقلال، حمل طريق سالم اسمًا جديدًا.
وبحلول عام ١٩٥٢م، اشتعلت انتفاضة الماو ماو بزعامة «جومو كينياتا» لمقاومة هذا التوحش، والتي تحولت الى حرب استمرت لثمان سنوات حتي إنهاء الحكم الاستعماري في كينيا، بين جيش الأرض والحرية الكيني (KLFA ) والسلطات البريطانية في كينيا.
و يكشف «فايق» عن طبيعة المساعدات التى قدمتها.. يذكر أن الموقف المصرى كان تطبيقا لمقولة عبدالناصر فى فلسفة الثورة: «لن نستطيع بحال من الأحوال حتى لو أردنا أن نقف بمعزل عن الصراع الدامى الذى يدور فى أفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومائتى مليون من الأفريقيين»، عدد سكان إفريقيا وقتئذ».
وكتعبير عن الإمتنان، فعندما حصلت كينيا على الاستقلال في عام ١٩٦٣م، وأصبحت جمهورية في ١٩٦٤م، تم تغيير اسم طريق سالم إلى طريق عبد الناصر.
المصادر
- كتاب "عبدالناصر والثورة الأفريقية"، الأستاذ محمد فايق.
- كتاب "التاريخ الإسلامي-العهد العثماني"، محمود شاكر.
- كتاب "الحركة العلمية في زنجبار وساحل شرق إفريقيا"، دكتور سليمان بن سعيد الكيومي.
- مقال تحت عنوان "صراعٌ دام قروناً وانتهى بهزيمة البرتغال على يد سلطنة عُمان.. تاريخ التواجد العماني في إفريقيا"، موقع المصدر.
- صفحة " مش صفحة الملك فاروق الأول والأخير بإذن الله" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
- https://www.britannica.com/place/Cape-of-Good-Hope