المكسيك ودوامة المخدرات التي قد تبتلعها

المكسيك ودوامة المخدرات التي قد تبتلعها
بقلم/ ياسر أبو معيلق
يبدو أن العالم، وتحديداً وسائل الإعلام الغربية، لا يولي المشاكل في المكسيك اهتماماً حقيقياً، باستثناء تغطية اشتباكات لتحرير ابن زعيم كارتيل المخدرات الشهير "إل تشابو"، الذي اعتقله الجيش.
بعد ذلك، خفت الزخم الإعلامي، وهو مستغرب بالنظر إلى أن المكسيك ستحتضن - مع كندا والولايات المتحدة - كأس العالم القادم بعد ٣ سنوات فقط، وتواجه مشكلة جيوستراتيجية حقيقية مع تكتلات (كارتيلات) المخدرات هناك!
فما الذي يحصل في المكسيك؟
* هناك ٣ مجموعات رئيسية تهيمن على عالم المخدرات المكسيكي:
١. الجيل الجديد من كارتيل "هاليسكو" (CJNG)، المعروف سابقاً بـ"لوس ماتا زيتاس"، وهي المجموعة الأعنف والأكثر امتلاكاً لعتاد عسكري أو شبه عسكري، وزعيمها "إل مينتشو"، يعتبر أكثر تاجر مخدرات مطلوب القبض عليه في العالم.
٢. كارتيل سينالوا (CDS)، وهو التكتل الذي كان يتزعمه تاجر المخدرات الشهير "إل تشابو" قبل القبض عليه، ويشرف عليه الآن عدد من أبنائه، الذين يلقبون بـ"لوس تشابيتوس". هذا التكتل هو الأقدر والأكثر خبرة في عمليات التهريب، ولذلك يعتبر الأغنى، وهو حالياً الهدف الرئيسي للجيش المكسيكي.
٣. بقايا "زيتاس" و"كارتيل الخليج" (خليج المكسيك)، وهي مجموعة عنيفة للغاية في شرق المكسيك يأكل بعضها بعضاً، وتحاول جميع الأطراف تجاهلها، لأنها شديدة العنف والهمجية، وأيضاً لأنها لا تمتلك أي أهمية استراتيجية في شبكة المخدرات العالمية (مقارنة بالمجموعتين السابقتين).
* رئيس المكسيك الحالي، أندريه مانويل لوبيز أوبرادور (AMLO)، الذي تولى منصبه في ٢٠١٨، أطلق سياسة "أحضان بدل الرصاص"، والتي تتلخص في كف يد الدولة عن كارتيلات المخدرات على أمل أن "تهدأ" وتنبذ العنف، ويسود البلاد نوع من "التعايش" بين السلطات وعصابات المخدرات.
* طبعاً، ولأنك تتعامل مع مجرمين، فإن هذه السياسة فشلت فشلاً ذريعاً. لذلك، لجأ الرئيس أوبرادور مؤخراً إلى المواجهة. وبما أن الكارتيلات اخترقت معظم أجهزة الأمن المحلية في البلاد، كلف الرئيس المكسيكي الجيش بكبح جماح هذه التكتلات.
* وجود الجيش بعدته وعتاده يعني أن الكارتيلات، إذا ما أرادت المواجهة بفاعلية، عليها إخراج العتاد العسكري والأسلحة الثقيلة. لذلك بدأنا نرى مقاطع فيديو لأفراد من تلك العصابات يحملون أسلحة لم نعهدها من قبل، مثل مدافع رشاشة من عيار ٥٠ مليمتراً، كتلك المحمولة على العربات المصفحة!!!
* هدف الدولة المكسيكية - على ما يبدو - ليس القضاء على الكارتيلات تماماً، بل ضرب مصادر دخلها وإضعافها بما يكفي لتشتيتها إلى عصابات أصغر تتصارع فيما بينها على ما تبقى من أموال ونفوذ (كما يحصل حالياً في شرق المكسيك مع بقايا الزيتاس وكارتيل الخليج).
* هذه الاستراتيجية، الفاشلة بحسب تقدير الكثيرين، تحمل في طياتها مخاطر على المستوى الوطني للمكسيك، بالإضافة إلى مشاكل دولية:
١. على المستوى الوطني، أثبتت الخبرة والتجربة أن أي مواجهة مطولة مع عصابات المخدرات ستعطي تلك العصابات وقتاً كافياً لإفساد الجهات الحكومية على الطرف الآخر. الدفع بالجيش الآن إلى الخطوط الأمامية يعني أن الكارتيلات ستحاول التأثير على قادة العملية العسكرية ورشوتهم. وفي حال نجاحها، سنكون أمام مشكلة حقيقية في المكسيك.
٢. وجود دولة فشلت في تحييد مشكلة المخدرات، وينخر مؤسستها العسكرية الفساد والولاء للكارتيلات، يعني دق ناقوس الخطر لدى الجارة الولايات المتحدة، التي تشهد تخبطاً في العلاقة مع المكسيك منذ تولي جو بايدن الرئاسة (رئيس المكسيك كان على علاقة جيدة مع سلف بايدن، دونالد ترامب).
٣. إذا ما اضطرت العمليات العسكرية كارتيل الجيل الجديد من هاليسكو (CJNG) إلى التوغل شمالاً داخل الحدود الأمريكية، سنشهد تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية والأمنية الأمريكية تجاه أحد أكبر شركائها التجاريين، وقد يعني ذلك العودة إلى التدخل المباشر داخل المكسيك لتفكيك الكارتيلات.
٤. هناك أيضاً مخاطر مجتمعية داخل الولايات المتحدة من عودة الأحكام المسبقة والعنصرية تجاه ذوي الأصول المكسيكية هناك، والنظر إليهم مجدداً كذراع ممتدة للكارتيلات. هذا يهدد ما تبقى من السلم المجتمعي الأمريكي، لاسيما قبيل كأس العالم ٢٠٢٦.
* السيناريو الأفضل في كل هذا السواد هو أن الدستور المكسيكي يحدد فترة الرئاسة بخمس سنوات فقط غير قابلة للتجديد، وأن الرئيس الحالي (السيء في استراتيجيته مع عصابات المخدرات) بقي له عام ونصف قبل أن يتنحى ويحل محله شخص آخر، على أمل أن يكون الجديد أفضل في التعامل مع هذه الأزمة التي تهدد استقرار المكسيك بشكل حقيقي، وقد تجازف بفرصها في استضافة كأس العالم القادم.
(الصورة لعناصر مسلحة من كارتيل الجيل الجديد لهاليسكو CJNG، بعد أن قرروا عدم ارتداء أقنعة لإخفاء هويتهم منذ الآن وصاعداً، في تحد واضح للسلطات والجيش. الحقوق: Cuartoscuro).