"لومومبا" زعيم الكونغو الديمقراطية بكاه عبد الناصر ووصفه جيفارا بشهيد الأمة

"لومومبا" زعيم الكونغو الديمقراطية بكاه عبد الناصر ووصفه جيفارا بشهيد الأمة

لم يكن كغيره من الشباب‏،‏ فقد وضع قضية بلاده نصب عينيه فنسي حياته وبحث عن حريتها‏، ولأنه مختلف عن غيره استطاع أن يقضي علي احتلال دام أكثر من ثمانيين عاما‏،‏ فأصبح التخطيط لموته هدفا شاركت فيه العديد من الدول الغربية واغتالته رصاصة أقرب أصدقائه إليه‏.‏

باتريس لومومبا زعيم إفريقي من عامة الشعب ولد عام ١٩٢٥م، وتربي في أسرة متوسطة الحال، قد أتاح له عمل والده بالتدريس فرصة التعليم مع قلة من أقرانه في الوقت الذي كان فيه الاحتلال البلجيكي يمنعه عن عامة الشعب، ومن خلال عمله ذاق أقصي صور الفصل والتمييز العنصري بين المستعمرين وسكان البلاد، فبدأت مشاعره الوطنية تتحرك وسعي للربط بين القوي الوطنية والقبائل الكونغولية للمطالبة بالحرية. 

قاوم لومومبا الاستعمار البلجيكي، وأسس الحركة الوطنية عام ١٩٥٨م، وكانت أقوى الحركات السياسية في الكونغو، وحظى لومومبا بشعبية واسعة وقاد مظاهرات ومواجهات ضد الاستعمار البلجيكي أدت إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر، وقد تم الافراج عنه لإنجاح المفاوضات التي كانت تجري في بروكسل لبحث مستقبل الكونغو، حيث قرر التفرغ للعمل السياسي, وكانت مشاركته في مؤتمر أكرا بمثابة شهادة ميلاد جديدة له، حيث كان هذا المؤتمر، الممهد لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، بمثابة أول ظهور لشخصيته على الساحة الإفريقية، وبالتالي فقد استطاع ببراعته وشجاعته أن ينقل قضية تحرير بلاده وهموم ومطالب شعبه إلي المحافل الإقليمية والدولية، ولهذا تم اعتقاله مرة أخرى في عام ١٩٥٩م.

تم إجراء انتخابات في مايو ١٩٦٠م، تنافس فيها أكثر من مئة حزب، وحققت الحركة الوطنية بقيادة لومومبا انتصارًا، وحاولت بلجيكا التي كانت تدير البلاد إخفاء النتائج، واسناد الحكم إلى حليفها جوزيف اليو، ولكن الضغط الشعبي أجبرها على تكليف لومومبا بتشكيل الحكومة، وشكلت أول حكومة كونغولية منتخبة في ٢٣ يونيو ١٩٦٠م، وقام ملك بلجيكا بودوان بتسليم الحكم رسميًا، وحدثت أزمة سياسية أثناء حفل التسليم، حيث القى لومومبا خطابًا عنيفًا أمام البلجيكيين وسمى بخطاب (الدموع والدم والنار)، تحدث فيه عن معاناة الكونغوليين وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد مما أثار غضب الجانب البلجيكي، لم تنعم الكونغو بالاستقرار أكثر من أسبوعين ودخلت في سلسلة من الأزمات مثل التمرد العسكرى وانفصال بعض الأقاليم والاضطرابات العمالية، حيث حرضت بلجيكا تشومبي حاكم اقليم كاتنجا الذي تتركز فيه ثروات الكونغو على اعلان الانفصال، فطلب لومومبا من الأمم المتحدة إرسال قوة دولية لحفظ القانون بهدف منع بلجيكا من العودة لاحتلال بلاده، وأتصل بعبد الناصر ونكروما وسيكوتوري طالبا منهم المساهمة في القوات الدولية، وعندما أرسل همرشلد سكرتير عام الأمم المتحدة خطابًا إلى عبد الناصر يطالبه باشراك مصر في القوات الدولية لم يتردد في الموافقة على هذا وأرسل كتيبة من المظليين بقيادة سعد الدين الشاذلي العقيد وقتئذ ورئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر ١٩٧٣م، برتبة فريق.
 وتطورت الأحداث بعد ذلك حيث تم اقالة حكومة لومومبا وقام موبوتو رئيس هيئة الأركان بالاستيلاء على السلطة عام ١٩٦١م، في انقلاب عسكري وألقى القبض على لومومبا، واثنين من أهم رفاقه، ونقلهم إلى سجن بلجيكى في ١٧ يناير ١٩٦١م، أعدموا رميا بالرصاص على أيدي تشومبي، وقد تلقى عبدالناصر مساء ١٢ فبراير خبر مقتله، وهو الذي أكد للعالم رسميًا النبأ، وأعلن أنه يضع أسرة لومومبا تحت حماية الجمهورية العربية المتحدة، قد قام عبد الناصر بتأمين كافة الممتلكات البلجيكية في مصر بم فيها قصر الاتحادية.
 
وبعد مقتل لومومبا رتب سعد الدين الشاذلي فرقتين صاعقة ووضعهما في المطار باعتبارهما من قوات الأمم المتحدة التي تشارك فيها مصر وذلك لإنقاذ أطفال لومومبا ومساعدتهم للقدوم إلى مصر، وقد حرص عبد الناصر إلى الاهتمام بهم وتعليمهم اللغة العربية.

ويقول هيكل: كان جمال عبد الناصر متأثرًا إلى أبعد حد بقتل (لومومبا) وتبادل خطابات في هذا الموضوع مع (خورشوف) و(نهرو) و(تيتو) و(همرشلد) وكان لومه شديدًا لهمرشلد فقد أعتبر أن لومومبا قتل تحت اعلام الأمم المتحدة وفي وجودها، بل أن وجودها استغل كغطاء لجريمة بشعة هزت إفريقيا، وكتب إلي نكروما خطابًا مؤثرًا يقول فيه: (إنني أقضى ليالي طويلة مع الدموع، وأشعر بالنار في قلبي كلما تذكرت أن قواتنا كانت هناك ضمن اطار الأمم المتحدة، وأن الحرية التي ذهبنا لحمايتها قد اغتيلت على مرمى حجر منا).