مجلس الشيوخ المصري: مسيرة ممتدة من التمثيل النيابي

مجلس الشيوخ المصري: مسيرة ممتدة من التمثيل النيابي

يُعد مجلس الشيوخ المصري، بتاريخِه العريق، شاهدًا حيًا على تطور الحياة النيابية في مصر والعالم العربي. فمنذ أن وضع محمد علي باشا حجر الأساس لأول مجلس نيابي عام 1824، بدأت ملامح الديمقراطية تتشكل تدريجيًا، عبر محطات دستورية مهمة، وصولًا إلى العودة الرسمية للمجلس عام 2020، بعد توقف دام سبع سنوات.
كانت البداية عام 1824، حين أسس محمد علي المجلس العالي، الذي ضم 24 عضوًا من كبار الموظفين والعلماء والتجار وأعيان المديريات، في أول محاولة لترسيخ مبدأ التمثيل الشعبي. وفي العام التالي، صدرت اللائحة الأساسية لتنظيم اختصاصات المجلس، فكانت نواةً أولى للعمل النيابي المؤسسي.

وفي عام 1829، أنشأ محمد علي مجلس المشورة، بعضوية 156 عضوًا، منهم 99 منتخبين من أعيان القطر المصري. ورغم اقتصار اختصاصاته على شؤون التعليم والإدارة، فقد مثّل هذا المجلس نقلة نوعية في إشراك المواطنين في قضايا الدولة.
ومع تولي الخديوي إسماعيل الحكم، تأسس مجلس شورى النواب، كأول برلمان يتمتع باختصاصات تشريعية فعلية، بعضوية 75 نائبًا منتخبين لمدة ثلاث سنوات. وقد امتدت صلاحياته إلى مناقشة الشؤون الداخلية وتقديم المشورة للخديوي، وبدأ لاحقًا بممارسة سلطة حقيقية، خاصة بعد عام 1879، حين أُقر مبدأ مسؤولية الوزارة أمامه.

وفي عهد الخديوي توفيق، استمر التطور البرلماني بإنشاء مجلس شورى القوانين، بعضوية 30 عضوًا، بينهم 16 منتخبين. وعلى الرغم من اقتصار دوره على مناقشة مشروعات القوانين، إلا أنه شكّل خطوة متقدمة نحو تقنين الحياة البرلمانية.
ثم جاءت الجمعية التشريعية التي ضمت وزراء وأعضاء منتخبين ومعينين، لتكون منصة تشريعية أكثر تنوعًا. ورغم أن رأيها لم يكن ملزمًا، إلا أنها لعبت دورًا مهمًا قبل أن تُحل عام 1923 بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

استجابت الدولة لمطالب ثورة 1919 بإصدار دستور 1923، الذي أرسى نظامًا برلمانيًا ثنائي الغرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، مع مساواة في الاختصاصات واختلاف في نسب التعيين والانتخاب. وقد شهدت تلك الحقبة ازدهارًا في التعددية الحزبية والتشريع الفاعل.
لكن دستور 1930 جاء ليتراجع عن تلك المكتسبات، فأضعف البرلمان، ما أدى إلى عودة دستور 1923 سريعًا تحت ضغط شعبي واسع. ومع قيام ثورة يوليو 1952، أُعلنت الجمهورية، وأُلغيت الأحزاب والدستور، ليُستبدل البرلمان بـ"مجلس الأمة".

توالت بعد ذلك الدساتير المؤقتة: دستور 1956، ودستور الوحدة عام 1958، ثم دستور 1964، حتى جاء دستور 1971 في عهد الرئيس أنور السادات، الذي أعاد تشكيل الحياة النيابية، وسمح بإنشاء مجلس الشورى في عام 1980 بعد استفتاء شعبي، بهدف توسيع قاعدة المشاركة السياسية.
وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، تم حل مجلسي الشعب والشورى وتعطيل العمل بالدستور، قبل أن يُلغى مجلس الشورى رسميًا بعد ثورة 30 يونيو 2013، نتيجة لضعف صلاحياته، بقرار من لجنة الخمسين لتعديل الدستور.

ثم جاءت العودة من جديد؛ فبعد تعديل دستور 2014 في عام 2019، صدر القانون رقم 141 لسنة 2020 بإعادة تشكيل مجلس الشيوخ، ليكون الغرفة الثانية للبرلمان المصري، ويُسهم في إثراء العملية التشريعية بمشاركة خبراء ومتخصصين من مختلف المجالات.

ويتخذ مجلس الشيوخ مقره الحالي في القصر التاريخي بشارع القصر العيني، على مقربة من ميدان التحرير، وهو قصر بُني في عهد الخديوي إسماعيل عام 1866، وشهد ميلاد الحياة البرلمانية الحديثة في مصر. ولدى عودة المجلس، أقر مجلس النواب نقل العاملين السابقين بمجلس الشورى إلى الكيان الجديد، ونقل جميع الأصول والممتلكات، وعلى رأسها القصر التاريخي.

ختامًا، يظل مجلس الشيوخ المصري أحد أعرق المؤسسات البرلمانية في المنطقة، بتاريخه الممتد لأكثر من قرنين. وهو اليوم يُجدد رسالته في ترسيخ الديمقراطية وتعزيز دور المشاركة الشعبية في صناعة القرار.