يوميات الضوء والمنفى

يوميات الضوء والمنفى
بقلم/هاني نديم

انتهيت أخيراً من قراءة "يوميات الضوء والمنفى" للروائي السوري الكبير حيدر حيدر، وهي سيرة ذاتية ووثيقة شعرية واجتماعية وسياسية طويلة وخلاّبة. صدرت عن دار "ورد" السورية.
في حقيقة الأمر قلما أكتب عن الكتب التي قرأتها ذلك لضيق وقتي المهني ولكثرة ما يطبعه الأصدقاء من جمال كامل، إلا أن هذا الكتاب بإشاراته العبقرية يشرح الكثير من التاريخ السوري وتاريخ مثقفيه وحركته الثقافية والسياسية. ويكلل مسيرة هذا الرجل الغامض الذي لا نعرف عنه الكثير خارج رواياته، وتشرح منافيه وعلاقته بالمدن والمقاهي والمثقفين والوطن.
سيرة ذاتية جريئة وصادمة لكاتب مواجهٍ ومشتبك مع المسلمات والأفكار والأحزاب والأنظمة والحياة والمدن والقرى. سيرة مكتوبة بنصل السكين بلغة ضارية متوحشة ومكاشفة، لكنها من جهة أخرى شعرية رفيعة وحنونة. تجرحك في مشهد، وتلضم جرحك في مشهدٍ آخر.
من أجواء تلك الرواية:
- لماذا إيقاع المدن في نفسك هو إيقاع الغاب المسكون بالوحوش؟ تبدو لغة الشعر والفلسفة لغة بائدة وغريبة، منسية، لأن التجار الذين اغتصبوا المدن سحقوا جوهر اللغة الإنسانية، واستبدلوها بلغة السلعة والمقايضة والربح والاستغلال والاحتكار، والنظام السياسي في هذا الوضع هو المشرع الكهنوتي لهذا الإجراء اللا إنساني.
- لست مورقاً ولا مخضرّاً اكتسي بجلال حزني الداخلي مطوّق كفهد في قفص، أو وردةٍ في أصيص، لكني حيّ. منذ عامين وأنا أتجول في هذه المدينة الخراب، مسافتي لا تتجاوز الأمتار، سينما وتسكّع وبيت، ثم البحر، غير مسموح لي أن أسافر إلى ما هو أبعد
- في هذا العالم الكلبي المنفلت من عقاله يتناثر وطنٌ ويتبدّد عبر رياح الأرض. هذا الوطن المُذل والمُهان والمجوّع جراء الطغيان لا يستحق حتى الصلاة على قبره المفتوح والمغطى بأوشحة الدم.