قراءة فى كتاب "عملية القوقاز"

قراءة  فى كتاب "عملية القوقاز"


بقلم دكتور/ عمرو صابح

حول الدور السوفيتى فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ، صدر كتاب "عملية القوقاز" الذى يحتوى على رسالة ماجستير للباحث الإسرائيلى "ديما أدامسكى" ، قدمها لجامعة تل أبيب ، جمع فيها الباحث كل الوثائق الروسية المفرج عنها التى ترصد الدور العسكرى والسياسي السوفيتى فى حرب الاستنزاف والذى حمل الأسم الكودى "عملية القوقاز" .

يعرض الباحث فى رسالته أيضا وثائق وحدة الشئون السوفيتية بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية ، ووثائق وحدة الشئون السوفيتية بالمخابرات الأمريكية.

قام بترجمة الكتاب من اللغة العبرية للغة العربية الدكتور "جمال الرفاعى" أستاذ اللغة العبرية بكلية الألسن – جامعة عين شمس.
أهم ما يلفت الانتباه فى وثائق الكتاب:

- تباين وجهات النظر بين السياسيين والعسكريين السوفيت قبل حرب 5 يونيو 1967 ، بينما يبدو حكام الكرملين ميالين للتهدئة يظهر وزير الدفاع السوفيتى "جريتشكو" وكبار جنرالاته ميالين للتصعيد وإتخاذ مواقف أكثر قوة لدعم مصر وسورية ، وقد استمرت ذلك التباين حتى نهاية عام 1969 عندما اقتنع "بريجينيف" بوجهة نظر العسكريين السوفيت ، وقرر إتخاذ خطوات تصعيدية ضخمة لدعم مصر.

- منذ نهاية حرب 1967 وسياسة جمال عبد الناصر قائمة على إقناع السوفيت بإن هزيمة العرب فى الحرب هى هزيمة للسوفيت أمام الأمريكيين ، وان تلك الهزيمة لو لم يتم عبورها فإن الاتحاد السوفيتى سوف يخسر الحرب الباردة وسيخرج من مصر والعالم العربى وأفريقيا مهزوماً ، وقد رفض السوفيت أطروحة عبد الناصر تلك حتى ديسمبر 1969 ، ولم يتبنوا وجهة نظر عبد الناصر إلا بعد الضربات الجوية الإسرائيلية للجبهة الداخلية المصرية وغارات الإسرائيليين على المدنيين.

- تُجمع الوثائق الإسرائيلية والأمريكية المنشورة بالكتاب ، أنه لا يوجد نظام أسوأ من نظام جمال عبد الناصر بالنسبة لإسرائيل و أمريكا ، وان سقوط هذا النظام سيفتح الباب لفصل جديد فى الشرق الأوسط قائم على دمج إسرائيل فيه وطرد السوفيت منه ، وان أوهام عبد الناصر بدور مصر القيادى فى العالم العربي يجب أن تنتهى.

- الأمريكيون كانوا سعداء للغاية بالضربات الجوية الإسرائيلية ضد المدنيين المصريين ، ورأوا فيها خير وسيلة لتحطيم نظام جمال عبد الناصر من الداخل ، بل كان كيسنجر وسيسكو يطلبان من القادة العسكريين الإسرائيليين أن تمتد تلك الضربات لتشمل محطات الطاقة والمستشفيات أيضاً لزيادة الضغط على عبد الناصر وإقناعه بعدم جدوى الحرب.

- شارك العسكريون السوفيت نظرائهم المصريين فى كل التدريبات على الحرب القادمة وصولاً لعملية العبور ذاتها التى جرت تجارب محاكاة لها على فرع لنهر النيل مماثل لقناة السويس بالخطاطبة.

- استشهد العديد من الضباط والجنود السوفيت خلال معارك حرب الاستنزاف وقد تم تكريم أسماءهم .

- استطاع السوفيت بفضل علاقاتهم بمصر الحصول على امتيازات بحرية فى الموانئ المصرية كما شكلت علاقاتهم بمصر مدخلاً هاماً لهم للدخول فى علاقات وثيقة مع معظم دول القارة الأفريقية.

- رأى السوفيت فى نظام جمال عبد الناصر حليفا لا يمكن السماح بخسارته أو اسقاطه تحت أى ظرف ومهما بلغت التكلفة.
- كان أنور السادات موجودا فى كل المفاوضات المصرية السوفيتية منذ عام 1968 حتى وفاة جمال عبد الناصر.

- حسب الوثائق المنشورة بالكتاب ، كان الدور السوفيتى فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية هو الأكبر للسوفيت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد تفوق على الدور السوفيتى فى فيتنام ، والتعاون العسكرى المصرى السوفيتى بدأ من التدريب على مستوى الكتيبة عقب حرب 1967 ، ثم مشاركة أطقم دفاع جوى وطيارين ومظليين وقوات خاصة سوفيتية فى القتال على الجبهة المصرية منذ مارس 1970 ، وصولاً لتزويد مصر بصواريخ سام 3 وصواريخ ستريلا وصواريخ سكود وهى أسلحة لم تخرج من الاتحاد السوفيتى لأى دولة فى العالم إلا مصر.

- حرب الاستنزاف هى هزيمة عسكرية إسرائيلية فقد انتهت بخسارة عدد كبير من الجنود والضباط الإسرائيليين ، وإعادة بناء الجيش المصرى وإقامة شبكة الصواريخ المصرية المتطورة التى كانت هى سبب نجاح عملية العبور عام 1973 ، النصر الوحيد الإسرائيلى حدث بوفاة جمال عبد الناصر بعد شهر ونصف من إيقاف القتال.

- التقديرات الإسرائيلية والأمريكية ومعلومات مخابرات البلدين فشلت فى تقييم حجم الدعم السوفيتى الهائل لمصر ، وهزيمة إسرائيل فى حرب الاستنزاف كانت هى مقدمة فشلها فى توقع عملية العبور وهزيمتها يوم 6 أكتوبر 1973.

بعد قراءة هذا الكتاب الوثائقى الهام، كيف تري موقف روسيا من الازمة الأخيرة مع أوكرانيا.