بقلم الأستاذ/ سعيد الشحات
كان الفنان فريد الأطرش طريح الفراش يعانى من شدة المرض، فى الوقت الذى يشغله ما إذا كان سيتمكن وكعادته مع أفلامه من حضور حفل افتتاح فيلمه الجديد «عهد الهوى» إنتاجه وبطولته مع مريم فخر الدين وسراج منير ويوسف وهبى وإيمان، وإخراج أحمد بدرخان، حسبما يذكر المؤرخ الفنى الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى».
بدأ العمل فى «عهد الهوى» أثناء خريف عام ١٩٥٤ ،ويذكر حنفى محمود، أن هذا الفيلم كان السابع عشر فى سلسلة أفلام فريد الأطرش السينمائية، والثالث فى مجموعة أفلامه الغنائية، وثانى فيلم على التوالى بني أفلام فريد تقتبس قصته من الأدب الفرنسى، حيث اقتبس الفنان على الزرقانى قصة الفيلم من رواية «غادة الكاميليا»، التى كتبها «ألكسندر دوماس الابن» فى عام ١٨٥٢ ، ليكون بذلك ثانى فيلم فى تاريخ السينما املصرية تقتبس قصته من هذه الراوية، وكان الأول هو فيلم «ليلى» بطولة ليلى مراد الذى عرض لأول مرة فى ٢ إبريل ١٩٤٢. يؤكد حنفى محمود، أنه أثناء الانشغال بتصوير «عهد الهوى»، سقط فريد فجأة بسبب أزمة قلبية حادة داهمته، وكان ذلك قبل يومني من الاحتفال برأس السنة امليلادية الجديدة لعام ١٩٥٥ ،على أثر رد فعل أسرة ملكة مصر السابقة ناريمان على شائعات راجت بخطوبة فريد للملكة بعد أن تركت فاروق فى إيطاليا، وعادت إلى القاهرة لتحصل على حكم قضائى بطلاقها فى فبراير ١٩٥٤.
كان الكاتب الصحفى موسى صبرى وقتئذ رئيسا لتحرير مجلة «الجيل» الأسبوعية، واشتبك على صفحاتها مع أسرة ناريمان، ممثلة فى والدتها، وقال فى مذكراته «٥٠ عاما فى قطار الصحافة»: «أصيب فريد الأطرش بأول نوبة قلب ألزمته الفراش وهددت حياته بالموت، لقد نقلت وكالات الأنباء أن الملكة السابقة ناريمان سوف تتزوج من فريد، وعلقت أصيلة هانم والدتها على هذا الخبر، بكلمات أهدرت كرامة فريد أخفها تساؤلها: من يكون هذا الفريد الأطرش؟.. إنه ليس أكثر من مطرب».. يؤكد موسى صبرى: «كان فريد على صلة صداقة بأسرة ناريمان، وكان يدعوهم إلى منزله، ويتلقى دعواتهم، فأصابته هذه الكلمات فى مقتل، وكانت أزمة قلبية حادة أنقذه الأطباء منها بأعجوبة».
يكشف موسى صبرى أنه كتب رسالة مفتوحة إلى ناريمان بعنوان «سيدتى الملكة السابقة.. رفقا بأهل الفن»، قال فيها: «ليس من حق السيدة ناريمان أن تتناول طائفة يجب أن يكون لها مكانتها فى مجتمعنا بالتجريح والتحقير، هذا أسلوب بلاه الزمن الذى أسرعت عجلاته إلى الأمام، وأهل الفن هم أهلنا المفترى عليهم، لأن ذنبهم أنهم دائما تحت الأضواء، وإن ما يدور وراء البيوت المحجبة لهو أقسى بكثير مما يفعله أهل الفن بلا حجاب وتحت ضوء الشمس».
يذكر نبيل حنفى محمود، أن مرض فريد بسبب هذه الأزمة أوقف العمل فى فيلم «عهد الهوى»، حتى تعافى ببطء، وغادر فراشه وتوجه إلى الاستديو ليصور بعض مناظر فيلمه، حسبما جاء فى جريدة الأخبار بعددها يوم ٢٧ يناير ١٩٥٥ ، معلنة أن الفيلم سيعرض بدار سينما «ديانا» فى ٧ فبراير ١٩٥٥.
يؤكد «حنفى محمود» أنه حتى موعد الافتتاح كانت الأيام تسري ببطء على فريد الأطرش، وكان شاغله الأكبر هو حضوره الافتتاح، إذ لم يسبق له أن تخلف عن افتتاح عرض أى من أفلامه، لكن تعليمات الأطباء كانت حاسمة وقاطعة بأنه لا حركة ولا نشاط، ولا مغادرة للفراش، إلا أن خبرا تصدر صحف الثلاثاء ١١ يناير ١٩٥٥ عن حضور كل من جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وصلاح سالم، لحفل العرض الأول لفيلم «إسماعيل ياسني فى الجيش» بدار سينما ديانا، ألهمه بحل معضلة تخلفه عن حضور عرض فيلمه الجديد، حيث أبرق من فراش مرضه إلى جمال عبدالناصر يرجوه بتشريف حفل الافتتاح.
يذكر «حنفى محمود» فى مساء الاثننين ٧ فبراير، مثل هذا اليوم، ١٩٥٥ ،أطل جمال عبدالناصر ومعه كل من عبدالحكيم عامر وأنور السادات وصلاح سالم من شرفة سينما ديانا، حيث حيوا جماهير أولى حفلات العرض الأول لفيلم «عهد الهوى»، وشاهدوا مع الجماهير أحداث قصة «غادة الكاميليا»، كما جسدها فريد الأطرش فى فيلم أكثر من رائع، وعندما صرح الأطباء لفريد بالحركة ومغادرة الفراش توجه فى صباح يوم السبت ١٢ فبراير ١٩٥٥ إلى مقر مجلس الوزراء، حيث التقى الرئيس جمال عبدالناصر «رئيس الوزراء آنذاك»، وشكره وأعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢ على حضورهم عرض الفيلم، وقدم خلال اللقاء شيكا بمائتى جنيه، تبرعا منه لمنكوبى السيول بمدينة قنا، ولجمعية تحسين الصحة.
المصادر
اليوم السابع