نوريا سانز غالييغو... عالمة آثار تقود الحوار العالمي بين التراث والعلوم والبيئة

نوريا سانز غالييغو... عالمة آثار تقود الحوار العالمي بين التراث والعلوم والبيئة

من بين الأسماء اللامعة في مشهد الثقافة العالمية، تتألق الدكتورة نوريا سانز غالييغو، العالمة الإسبانية في علم الآثار والأنثروبولوجيا، التي استطاعت أن تحوّل شغفها بالتراث الإنساني إلى مسارٍ مهني مؤثر على الساحة الدولية، في قلب مؤسسات كبرى مثل اليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومجلس أوروبا.

تحمل نوريا درجتين دكتوراه، الأولى في عِلم ما قبل التاريخ من جامعة كومبلوتنسي بمدريد، والثانية في البيئة البشرية من جامعة توبنغن الألمانية، ما أتاح لها الجمع بين العمق التاريخي والفهم العلمي للبيئة والعلاقات البشرية عبر الزمن. ومنذ عام 1995، سلكت درب العمل الدولي المتعدد الأطراف، فكانت صوتاً علمياً رصيناً ومدافعاً شرساً عن التراث الطبيعي والثقافي للبشرية.

في عام 2009، أُسندت إليها مهمة المنسقة العالمية لتراث فنون الصخور في اليونسكو، لتصبح مرجعية عالمية في هذا المجال المعقد الذي يربط بين تطور الإنسان والتعبير الرمزي منذ فجر الحضارات. لاحقًا، تولّت إدارة وحدة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مركز التراث العالمي، حيث قادت أحد أكبر مشاريع إدراج المواقع في قائمة التراث العالمي: "شَبكة طرق الإنكا - قاپاق نان"، وهو مشروع طموح جمع بين ست دول في الأنديز وأرسى أكبر شبكة للمعرفة الأنثروبولوجية في المنطقة.

وفي عام 2013، تولّت منصب مديرة وممثلة اليونسكو في المكسيك، حيث أشرفت على أكثر من ثلاثين مشروعًا تناولت المعرفة التقليدية والتراث الحيوي-الثقافي للمجتمعات الريفية، والصناعات الحرفية، والتنوع اللغوي، بالإضافة إلى البرنامج العلمي حول نشأة إنتاج الغذاء والتنمية المستدامة. لم تكن هذه المبادرات مجرد مشروعات، بل خارطة طريق للتنمية المرتكزة على احترام التراث الحي.

عُرفت نوريا أيضًا بدورها الريادي في إطلاق البرنامج العالمي لليونسكو حول رأس المال العلمي والإنساني لتطور الإنسان (HEADS)، والذي جمع أكثر من 250 عالِمًا من مختلف التخصصات — من علم الإحاثة، والأنثروبولوجيا، والبيئة، إلى علم اللغة والجغرافيا الحيوية — لتكوين شبكة معرفية متعددة التخصصات ما زالت نشطة حتى اليوم. وقد حررت سبعة مجلدات علمية في هذا السياق تُعد مرجعًا أكاديميًا عالميًا.

وبجانب عملها العلمي، تم تعيينها أمينة عامة لمجموعة فنون اليونسكو، حيث وضعت خطة عمل طموحة للمجموعة، وأشرفت على إصدار كتالوجين فنيين، إلى جانب كتاب مخصص للفن الإفريقي، مما يعكس رؤيتها المتوازنة بين العلوم والفنون.

اليوم، وبدعوة من منظمة الأغذية والزراعة، تشغل منصب المستشارة العليا في قسم التنوع البيولوجي وتغير المناخ، حيث تقود خطة العمل المشتركة بين اليونسكو والفاو. تركّز في عملها الراهن على التاريخ التطوري للغذاء منذ عصور ما قبل التاريخ، وأهمية المعرفة التقليدية في إنتاج الغذاء واستهلاكه، وكيف يمكن لهذا الإرث الإنساني أن يواجه تحديات تغيّر المناخ العالمي.
إن سيرة الدكتورة نوريا سانز غالييغو ليست مجرد مسيرة أكاديمية أو مهنية، بل قصة امرأة كرّست حياتها لجمع خيوط الماضي من أجل فهم الحاضر وبناء مستقبل أكثر إنسانية وتنوعًا واستدامة.