عبد الناصر وجيفارا يخطبان أمام عشرات الآلاف فى مؤتمر شعبى بمدينة شبين الكوم

عبد الناصر وجيفارا يخطبان أمام عشرات الآلاف فى مؤتمر شعبى بمدينة شبين الكوم
بقلم الأستاذ/ سعيد الشحات
احتشد عشرات الآلاف من أبناء محافظة المنوفية فى المؤتمر الشعبى الكبير الذى أقيم بمدينة شبين الكوم، لاستقبال الرئيس جمال عبد الناصر والمناضل العالمى جيفارا، وكان وقتها وزيرًا للصناعة فى كوبا، ووصل عبد الناصر وضيفه وأنور السادات رئيس مجلس الأمة إلى المؤتمر، في الساعة السادسة وعشرون دقيقة مساء ١٠ مارس، في مثل هذا اليوم١٩٦٥، حسبما تذكر الأخبار فى عددها ١١ مارس ١٩٦٥.

كان جيفارا فى زيارة إلى مصر بدأت من ٢ مارس ١٩٦٥، وكان عبد الناصر يزور المحافظات ويعقد مؤتمرات شعبية، لتجديد انتخابه رئيسًا للجمهورية، وفى هذا السياق، كان مؤتمره فى شبين الكوم، الذى سبقه افتتاح مصنع «شبين الكوم للغزل والنسيج» وتجول مع ضيفه بين ماكينات الغزل، وتناول الغذاء فى منزل أنور السادات بقرية ميت أبوالكوم.
خطب السادات وجيفارا ثم ألقى عبد الناصر خطابه، وتذكر الأخبار أن جيفارا وجه فى كلمته الشكر إلى عبد الناصر لإتاحة الفرصة له لحضورالمؤتمر، وأكد تضامن شعب كوبا مع الشعوب العربية والإفريقية ضد الاستعمار، وقال: تأكدوا أنه لو حدث أى اعتداء ضدكم، فإن فى الطرف الآخر من البحر جزيرة تعلن تضامنها معكم... وأضاف: «عندما كنت فى صحبة الرئيس اليوم فى السيارة، وفى طريقنا إلى هنا كانت السيارة لا تستطيع أن تسير لأن الجماهير كانت تتدافع وتمنعها من الوصول إلى مكانها، هذا فى مدينتكم، وبالنسبة لنا ما هو أهم من الانتخابات نفسها هو شعور الشعب الذى لا يمكن صناعته أو إظهاره بما هو ليس عليه. إن الشعب يحيط الرئيس طوال الطريق بالحرارة والمحبة والثقة. إن حب هذا الشعب هو الجائزة الأولى أوالهدية الأولى التى يمكن إعطاؤها لزعيم ثورتكم، ليس هناك أدنى شك فى نتيجة الانتخابات، وأقول لكم أيضا إننى باسم الشعب الكوبى يمكننى أن أقول للرئيس جمال عبدالناصر إنه يمكنه الحصول على أصوات شعب كوبا إذا ما جرت الانتخابات فى كوبا».
كانت المناضلة شاهندة مقلد، والشاعر حلمى سالم شاهدين على هذه الزيارة، فهما من أبناء المنوفية، وسجلا ذكرياتهما عنها، تذكر «مقلد» فى مذكراتها «من أوراق شاهندة مقلد»، أن موكب عبد الناصر وجيفارا كان سيمر من قريتها، كمشيش، فجمعت مجموعة من الفلاحين رفعوا لافتة مكتوبا عليها: «نحن معزولون عنك منذ سنوات يا جمال عبدالناصر... وممنوعون من الكلام معك... ونحن نمثل هنا قريةً ثورية، ونقف إلى جانبك»، وعندما توقفت السيارة عند الجسر هتفت: «نحن نريد أن نتحدث إليك يا عبد الناصر»، وسلمت عليه وقدمت إليه رسالة بمطالب الفلاحين، ثم خاطبت جيفارا قائلة: «نحن فلاحو قرية كمشيش الثورية»، ولما ترجموا إليه كلامها، هب واقفا ورفع قبضته تحيةً لها، فصفق الفلاحون وأطلقوا عاصفة هتافات دون أن يعرفوا هوية الضيف.
أما الشاعر حلمى سالم، فتنقل الزميلة نضال ممدوح فى «الدستور، ٢٨ يوليو ٢٠٢٢»، ذكرياته عن هذه الزيارة من سيرته «مدن لها قلوب»، قائلا: «كان ذلك عام ١٩٦٥، كنت فى السنة الثانية الإعدادية بمدرسة عبد العزيز فهمى بكفر المصيلحة، وذات صباح، ذاع نبأ بأن جمال عبد الناصر وجيفارا سيزوران شبين الكوم اليوم، وستخرج المدارس كلها فى استقبالهما، كان جيفارا صيته مدويًا كقائد ثوري عالمى فاتن، كنا نتابع أخبار ثورة جيفارا بإعجاب مفتون، مناهضته للاستعمار الأمريكى فى كل مكان، تركه عمله كطبيب فى الأرجنتين، وتنقله بين بلاد أمريكا اللاتينية المقهورة من أجل نفي القهر والاستغلال، الطابع الأسطوري لمغامراته النضالية، شكله الملحمى باللحية والشارب والكاب والشعر الطويل، والنظرة الملهمة».
يتابع «سالم»: «فى ذلك اليوم المشهود، جمعوا أبناء مدرستنا، ونقلوهم فى مراكب صغيرة، منذ الصباح الباكر إلى الضفة الثانية من النهر بأقصى جنوب شبين الكوم، لاستقبال الزائرين، وكان من حظ تلاميذ مدرستى أن جاءت وقفتهم، بالضبط، فى النقطة من جنوب المدنية، التى سينزل عندها الرجلان من سيارتهما السوداء المغلقة ليستقلا سيارتهما السوداء المكشوفة، ويدخلان المدينة، واقفين، لتحية الجماهير التى احتشدت فى كل متر من أقصى جنوب المدينة إلى أقصى شمالها حيث المصنع والاستاد».
يضيف: «وقفنا على الطريق، قرابة أربع ساعات حتى جاء الموكب المهيب، جرفتنا هيستريا عاصفة، نحن أمام ناصر وجيفارا دفعة واحدة، أطاح بنا الجنون، كسرنا سياج الحرس الذى نقف وراءه، واندفعنا كالشلال إلى السيارة والرجلين، وهما يترجلان من السيارة المقفولة، ويخطوان خطوات قصيرة إلى السيارة المفتوحة، فى هذه اللحظة بالضبط رأت عينى عبد الناصر، وعينى جيفارا، أربع حدقات نافذات عميقات، تهزان العالم كله- حينئذ- هزا، كان الحراس يضربوننا ليمنعوننا من الاندفاع على الرجلين، ونحن لا نعير الضرب اهتمامًا، أشار ناصر إلى الحراس أن يتركوا التلاميذ فتراجع الحرس، وانهمرنا على القائدين، صافحناهما ولامسناهما، ونحن ننكب عليهما بأجسادنا الصغيرة وسط تدافع مريع، وفتح خبراء الاتحاد الاشتراكى العربى الأقفاص التى كانوا يحملونها، فانطلقت عشرات الحمامات فى الأفق وعلى سطح النهر وفى القلوب».
المصادر
اليوم السابع