احتفال المصريين بعيد الفطر

معَ دُخُولِ الإسلامِ إلى مِصْرَ في القَرْنِ السَّابِعِ المِيلَادِيِّ، أَصْبَحَ عيدُ الفِطْرِ المُبارَكِ أَحَدَ أَهَمِّ الأَعْيَادِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي يَحْتَفِلُ المِصْرِيُّونَ بِهَا، والَّذِي تَمَيَّزَتْ مَظَاهِرُهُ بَيْنَهُمْ عنْ سَائِرِ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ، خَاصَّةً في العَصْرَيْنِ الفَاطِمِيِّ وَالمَمْلُوكِيِّ.
كانَ الاسْتِعْدَادُ لِعِيدِ الفِطْرِ المُبارَكِ يَبْدَأُ مِنْ نِهَايَةِ شَهْرِ رَجَبٍ، حَيْثُ تُخَصِّصُ الدَّوْلَةُ مَبْلَغَ ٢٠ أَلْفِ دِينَارٍ تُقَدَّمُ إلى "دارِ الفِطْرَةِ"، الَّتِي أَقَامَهَا الفَاطِمِيُّونَ لِصِنَاعَةِ الكَعْكِ وَالحَلْوَى، حَيْثُ تَقُومُ بِإِعْدَادِ الكَعْكِ المَحْشُوِّ بِالمُكَسَّرَاتِ وَكَذَلِكَ بِالدَّنَانِيرِ الذَّهَبِيَّةِ، وَكَانَ الدِّينَارُ الوَاحِدُ يَكْفِي نَفَقَاتِ الأُسْرَةِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَلَى الأَقَلِّ. وَكَانَتْ دارُ الفِطْرَةِ تَقُومُ بِتَوْزِيعِ الكَعْكِ وَالحَلْوَى عَلَى الأُمَرَاءِ وَعَامَّةِ النَّاسِ قَبِيلَ العِيدِ، وَيُرْسَلُ جُزْءٌ مِنْهُ لِلأَقْطَارِ المُجَاوِرَةِ أَيْضًا، كَمَا كَانَ يُخَصَّصُ مَبْلَغٌ كَبِيرٌ مِنَ المَالِ لِصِنَاعَةِ "الحُلَلِ"، وَهِيَ المَلَابِسُ القُطْنِيَّةُ وَالحَرِيرِيَّةُ المُوَشَّاةُ بِخُيُوطِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَتُوَزَّعُ لَيْلَةَ العِيدِ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى أَطْلَقَ المِصْرِيُّونَ عَلَى عِيدِ الفِطْرِ "عِيدَ الحُلَلِ".
ومَعَ الأُسْبُوعِ الأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبارَكِ، تَتَزَيَّنُ المَسَاجِدُ وَتُضَاءُ بِالقَنَادِيلِ، وَيُنْشِدُ المُؤَذِّنُونَ قَبْلَ كُلِّ أَذَانٍ أَنَاشِيدَ "تَوْحِيشِ رَمَضَانَ" في وَدَاعِ الشَّهْرِ الكَرِيمِ قَائِلِينَ:
"لَا أَوْحَشَ اللهُ مِنْكَ يَا رَمَضَانُ... لَا أَوْحَشَ اللهُ مِنْكَ يَا شَهْرَ القُرْآنِ".
ومعَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، يَتَحَرَّكُ مَوْكِبٌ كَبِيرٌ بِرِئَاسَةِ كَبِيرِ القُضَاةِ، وَيَصْحَبُهُ رِجَالُ الدِّينِ وَأَرْبَابُ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ إلى جَبَلِ المُقَطَّمِ لِاسْتِطْلَاعِ هِلَالِ شَوَّالٍ، حَتَّى إِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ الهِلَالِ، تُعْلِنُ المَسَاجِدُ أَنَّ غَدًا أَوَّلُ أَيَّامِ عِيدِ الفِطْرِ المُبارَكِ.
وفي صَبَاحِ العِيدِ، يَنْتَظِرُ جَمْعٌ غَفِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَمَامَ قَصْرِ الخَلِيفَةِ لِخُرُوجِ مَوْكِبِهِ لِحُضُورِ صَلَاةِ العِيدِ، حَيْثُ يَتَحَرَّكُ مَوْكِبٌ حَاشِدٌ في حُضُورِ الأُمَرَاءِ وَالجُنْدِ إلى سَاحَةِ صَلَاةِ العِيدِ، الَّتِي كَانَتْ تُقَامُ عِنْدَ بَابِ النَّصْرِ عَادَةً، كَمَا يَتَقَدَّمُ مَوْكِبٌ آخَرُ مِنْ أَمَامِ مَنْزِلِ إِمَامِ الصَّلَاةِ فِي صُحْبَةِ رِجَالِ الدِّينِ وَالفُقَهَاءِ وَالعَامَّةِ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ، فَإِذَا مَا فَرَغَتِ الصَّلَاةُ، يَتَحَرَّكُ مَوْكِبُ الخَلِيفَةِ بِصُحْبَةِ الفُرْسَانِ وَالأُمَرَاءِ، وَتُشَارِكُ فِيهِ الفِرَقُ الصُّوفِيَّةُ وَالأَفْيَالُ وَالزَّرَافُ أَيْضًا، حَتَّى سَاحَةِ الاحْتِفَالِ بِالعِيدِ، حَيْثُ يُقَامُ "سِمَاطُ العِيدِ"، وَهُوَ وَلِيمَةٌ كَبِيرَةٌ تَمْتَدُّ مِنَ الصَّبَاحِ حَتَّى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَتَسْتَمِرُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُوضَعُ عَلَيْهَا كَمِّيَّاتٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالكَعْكِ وَالحَلْوَى.
وَيَتَقَدَّمُ الأُمَرَاءُ وَالفُقَهَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ لِلخَلِيفَةِ قَبْلَ الجُلُوسِ عَلَى السِّمَاطِ، وَيَقُومُ الخَلِيفَةُ بِتَقْدِيمِ الهَدَايَا وَالدَّنَانِيرِ الذَّهَبِيَّةِ لَهُمْ، كَمَا يَنْثُرُ الدَّنَانِيرَ الذَّهَبِيَّةَ مِنْ نَافِذَةِ قَصْرِهِ كَعِيدِيَّةٍ لِلنَّاسِ، وَالَّتِي عُرِفَتْ بِاسْمِ "الجَامِيكِيَّةِ"، كَمَا يَأْمُرُ بِالعَفْوِ عَنِ السُّجَنَاءِ فِي هَذِهِ المُنَاسَبَةِ الكَرِيمَةِ.
وَيَنْصَرِفُ النَّاسُ لِلاحْتِفَالِ بِالعِيدِ فِي الحَدَائِقِ وَالمُتَنَزَّهَاتِ وَعَلَى شَاطِئِ نَهْرِ النِّيلِ، حَيْثُ تَنْتَشِرُ المُوسِيقَى وَالأَلْعَابُ البَهْلَوَانِيَّةُ وَالحُوَاةُ وَجَلَسَاتُ السَّمَرِ فَرِحَةً بِالعِيدِ المُبارَكِ.
المصادر:
موقعُ متحفِ الحضارةِ المصريِّ.