الجمعية الجغرافية المصرية.. أقدم جمعية جغرافية خارج أوربا والأمريكتين

الجمعية الجغرافية المصرية.. أقدم جمعية جغرافية خارج أوربا والأمريكتين

 

أحد أقدم التجارب المصرية لاستنهاض المجتمع العلمي عربيا وإفريقيا لمشاركة الغرب التقدم العلمي في علوم الجغرافيا والجيولوجيا والاستكشاف، وكان الخديوي إسماعيل باشا حاكم مصر مهتماً بالبحوث الجغرافية التي كانت تُجري في إفريقيا، ولا سيما في الجهات التي كُشفت من منطقة منابع النيل. فأصدر مرسومًا في التاسع عشر من مايو العام١٨٧٥م، بإنشاء الجمعية الجغرافية الخديوية Societe Khediviale de Geographic في القاهرة، لتكون دار محفوظات للآثار والتحف، ومركزاً للبحث والاستقصاء، وبهدف دراسة علم الجغرافيا بجميع فروعه، وإلقاء الضوء على البلدان الإفريقية وتنظيم الجهود الكشفية فيها. وقدر لها إعانة سنوية تقدر بــ٤٠٠ جنيها مصريا.

كانت جلسات الجمعية تُعقد شهريًا، اُعتمدت خلالها اللغة الفرنسية كلغة مكاتبات، وصار للجمعية مجلة علمية سنوية. وتعد الجمعية تاسع جمعية جغرافية متخصصة في العالم بعد أول جمعية جغرافية في العالم والتي تأسست في باريس عام ١٨٢١م، وتلتها الجمعية الجغرافية الألمانية في برلين عام ١٨٢٨م، ثم تأسست الجمعية الجغرافية الملكية في لندن في عام ١٨٣٠م، والجمعية المكسيكية عام ١٨٣٣م، وجمعية فرانكفورت عام ١٨٣٦م، والجمعية الروسية عام ١٨٤٥م، والجمعية الأمريكية عام ١٨٥١م، والجمعية الجغرافية في برنامبوكو بالبرازيل ١٨٦٣م، ثم الجمعية الجغرافية المصرية عام ١٨٧٥م، وبهذا تعتبر أقدم جمعية خارج أوربا والأمريكتين. وكان أول رئيس للجمعية عالم النبات والمستكشف الألماني "جورج اوجوست شفاينفورت".

شاركت الجمعية بوفد رسمي في المؤتمر الجغرافي الدولي الثاني الذي نظمته الجمعية الجغرافية في باريس سنة ١٨٧٥م، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الجمعية الجغرافية المصرية عضوًا مؤسسًا في الاتحاد الجغرافي الدولي.

وكان أول مقر اُختير للجمعية لا يعدو أن يكون قاعة في بيت محمد بك الدفتردار زوج الأميرة زينب هانم ابنة محمد علي باشا، هذا البيت كان جزءًا من بيت محمد بك الألفي الذي شغله بعد ذلك ديوان المدارس، ثم مدرسة الألسن، ثم فندق شبرد، وفي عام ١٨٧٨م انتقلت الجمعية إلى مقر جديد حلَّت فيه محل المحكمة المختلطة، ثم انتقلت الجمعية إلى مقر آخر كان يقع عند ناصية التقاء شارع القصر العيني مع شارع مجلس الشعب الحالي عام ١٨٩٥م، وقد تم هدم هذا المبنى ليحل محله ملحق مجلس الشعب. وفي عام ١٩٢٥م، انتقلت لمقرها الحالي، وهو مبنى تاريخي يعود للقرن التاسع عشر شغلته لفترة من الزمن وكالة حكومة السودان إلى أن خُصص للجمعية في عام ١٩٢٢م، وسُجل هذا المبنى في عداد الآثار المصرية لروعته المعمارية وزخارفه الفنية المميزة.

ويتكون مبنى المقر من جناحين وطابقين، وبكل جناح منهما حجرات وصالات اُستخدمت مكاتب أو مكتبات أو صالات عرض، وفيما بين الجناحين بهو تم إعداده على هيئة قاعة محاضرات، وطوله ٣٥ مترًا وعرضه ٢٤ مترًا وارتفاعه ١٠ أمتار ونصف المتر، وسقفه محمول على ١٢عمودًا وقام بزخرفة سقفه برانداني الذي استخدم نماذجه من الزخرفة العربية في القرن الثاني عشر الميلادي وهي تتألف من أشكال هندسية زخرفية يغلب عليها اللون الأزرق الداكن.

وقد تغير استخدام بعض مساحات المبنى أكثر من مرة، وفي الوقت الحالي تشغل الطابق الأرضي قاعات المتحف الإنثوغرافي، بالإضافة إلى قاعة اجتماعات مجلس الإدارة، والمكتبة الكارتوجرافية وقاعة إفريقيا وقاعة قناة السويس بالإضافة إلى المرافق الخدمية ومخزن المطبوعات. أما الطابق الثاني فيضم القاعة الكبرى للمحاضرات وسعتها ٤٣٨ مقعدًا، بالإضافة إلى مكتبَي رئيس الجمعية، والأمين العام، وقاعة الكمبيوتر، ومكتبة الدكتور سليمان حُزَّين وتوجد جميعها في الجناح الأيمن من القاعة، أما الجناح الأيسر فقد خصص برُمته للمكتبة الرئيسية للجمعية بما تضمه من مراجع رئيسية ودوريات.

وفى عام ١٩٢٥م، نظمت الجمعية الجغرافية المصرية المؤتمر الجغرافي الدولي الثاني عشر، ولقى هذا المؤتمر آنذاك صدى كبير في مسيرة علم الجغرافيا الحديث وفي بروز بعض التخصصات الجديدة المتصلة بالريف والعمران الريفي.

تغير اسم الجمعية على مدار تاريخها الممتد من عام ١٨٧٥م، حتى الآن وفقاً لتغير نظام الحكم في مصر، فقد تغير اسمها من الجمعية الجغرافية الخديوية في الثلاثين من أكتوبر عام ١٩١٥م، ليصبح "الجمعية الجغرافية السلطانية"، ومع تحول مصر من السلطنة إلى المملكة في سنة ١٩٢٢م، تغير اسم الجمعية مرة أخرى ليصبح "الجمعية الجغرافية الملكية المصرية"، وقد تغير اسمها بعد إعلان الجمهورية في سنة ١٩٥٣، وأصبحت الجمعية الجغرافية المصرية.

 امتد دور الجمعية نحو النهوض بعلم الجغرافيا في الوطن العربي مع استقلال الدول العربية، فنظمت عام ١٩٦٢م، المؤتمر الجغرافي العربي الأول، والذي أُسس خلاله الاتحاد الجغرافي العربي الذي مازالت الجمعية تحتضنه إلى اليوم، كما أن لها العديد من المشاركات مع الجمعيات الجغرافية العربية، وفي عام ١٩٦٧م، أصدرت الجمعية المجلة الجغرافية العربية.

وتقوم الجمعية كما ينص لائحة النظام الأساسي على دراسة علم الجغرافيا بجميع فروعه سواء في مصر أو على مستوى البلدان الإفريقية، وتنظيم الجهود الكشفية فيها من خلال إصدار نشرة تتضمن أهم الكشوفات الجغرافية ورحلاتها واكتشافاتها العلمية في مصر وإفريقيا.

كانت نواة المكتبة عبارة عن ألفين وخمسمائة مجلد أهداها الخديوي إسماعيل للجمعية، ثم تلقت الجمعية بعض الهدايا في صورة مكتبات لبعض الصفوة والأمراء، منها مكتبة محمود باشا الفلكي في نحو ثلاثمائة مجلد، ومكتبة الأمير حيدر فاضل وتضم سبعة آلاف مجلد، ومكتبة الأمير محمد علي توفيق التي تشتمل على سبعة آلاف مجلد.

ولم يُغلق الباب أمام التبرع بالمكتبات الخاصة فقد أهدى الدكتور سليمان أحمد حُزَّين للجمعية مكتبته الخاصة، كما أهدى الدكتور محمد صفيّ الدين أبو العز للجمعية جزءًا من مكتبته يضم عددًا من الموسوعات المهمة والمصادر الإحصائية الحديثة، بالإضافة إلى إهداءات الهيئات الثقافية الأخرى.

ولهذا تزخر مكتبة الجمعية بنفائس من الكتب القديمة التي ترجع إلى فترات الكشوف الجغرافية في القارة الإفريقية، وفي أعالي النيل بصفة خاصة، كما تشتمل هذه الكتب التراثية على قدرٍ كبيرٍ من الكتب التي صدرت عن جغرافية العالم العربي والأقطار الإسلامية، وجديرٌ بالذكر أن الجمعية الجغرافية المصرية قد حرصت منذ عقد المؤتمر الجغرافي الدولي بها عام ١٩٢٥م على تنفيذ مخطط متكامل، يستهدف تجميع وحفظ المؤلفات والخرائط القديمة والحديثة عن مصر بخاصة وعن الأقطار العربية والإفريقية وأقطار دول العالم الأخرى بصفة عامة.

وتحتوي مكتبة على ذخائر من الخرائط والمصورات القديمة والحديثة. ومن الخرائط القيمة التي نشرتها الجمعية تلك الخريطة التي رسمت عام ١٨٧٧م تحقيقًا لرغبة أبداها الخديوي إسماعيل وتشتمل على خلاصة الكشوف الجغرافية الواسعة التي تمت في عهده، وتُبين الطرق التي سلكها المكتشفون، وقد طبعت هذه الخريطة بمقياس  ٦٠٠٠٫٠٠٠:١ومن الخرائط النادرة الأخرى التي تقتنيها الجمعية، نسخ من خرائط هيئة أركان حرب الجيش المصري مثل خريطة دارفور التي رسمها بوردي باشا، وخريطة كبيرة رسمها محمود باشا الفلكي، وخريطة جوردون باشا التي رسمها للنيل، هذا بالإضافة إلى مجموعة نادرة من الخرائط التي أهداها الملك فؤاد للجمعية، ومجموعة أخرى تتألف من ٢٥٠ خريطة أهدتها إحدى الأميرات.

وبالإضافة إلى الخرائط، تحتفظ المكتبة بأطلس الأمير يوسف كمال تحت عنوان Monumenta Cartographica Africae et Egypti ويضم خرائط قديمة نادرة لقارة إفريقيا وغيرها من بلاد العالم مع التعليق عليها. ومن الأطالس القديمة أيضًا أطلس أسفل الأرض للأمير عمر طوسون، وأطلس الحملة الفرنسية، هذا بالإضافة إلى مئات الأطالس المحلية والعربية والعالمية المختلفة الموضوعات، والأهداف والأساليب، ومنها: أطالس الاستشعار عن بعد، وأطلس الوطن العربي لاتحاد الجامعات العربية وبعض الأطالس الوطنية التي أصدرتها أقطار عربية وأجنبية. والجدير بالذكر أن الجمعية تقوم حاليًا بتسجيل مقتنياتها من الكتب والخرائط على الحاسب الآلي حتى يسهل حفظها وتداولها داخل المكتبة.

حياة الشعوب اليومية إلى وقت قريب كان لها مذاق خاص، تعتمد على قدرة الإنسان اليدوية في توفير كل متطلبات الحياة، ومع تغير نمط الحياة بوتيرة متسارعة خلال القرن العشرين، صار العديد من الحرف والعادات أثرًا بعد عين، ونستطيع أن نرى حياة المصريين وحرفهم وكذا عادات الأفارقة وأدواتهم في متحف الجمعية الجغرافية المصرية الذي افتتاحه عام ١٨٩٥م.

 

ومجموعات هذا المتحف تم جلبها عن طريق بعثات الجمعية لاستكشاف ودراسة منابع النيل، بالإضافة إلى هدايا الجغرافيين المصريين والأجانب الذين جابوا بلاد العالم المختلفة، ووضعت الجمعية خطة منذ عام ١٩٢٨م لجمع كل ما يتعلق بعادات وتقاليد سكان القاهرة والريف المصري. كما يتكون المتحف من خمس قاعات وهم:

 

قاعة القاهرة

تشمل هذه القاعة مجموعات عدة تُمثل كلٌ منها لونًا خاصًا من ألوان الحياة أو العادات القديمة في مدينة القاهرة، ومن أطرف ما تحويه هذه القاعة قسم يعرض أدوات التدخين، يضم «جوزًا» كان يستعملها عامة المصريين منها جوزة لها غطاء من النحاس المطعم بالفضة.

ويوجد إلى جانب «الجوز»، مجموعة من النارجيلات الجميلة التي كان يستعملها أثرياء مصر، وبعض هذه النارجيلات من الزجاج الملون المزخرف بنقوش الميناء المختلفة الألوان، ومن هذه النارجيلات واحدة من البلور الشفاف المضلع، وأخرى من زجاج الأوبالين الأخضر الفاخر عليه زخارف ذهبية جميلة.

ومن أطرف أركان هذه القاعة ركن القهوة البلدي، وبه نصبة إعداد المشروبات وهي تشتمل على وعاء الماء المغلي ومجمعي الشاي والبن، وعلى الأرفف عدد من الجوز وكنكات القهوة وبرادات الشاي لتقديمها إلى الزبائن، بينما توجد دكة من الخشب لجلوس الشاعر الذي كان يروي القصص الشعبي، وأمامها كرسيان من القش ومنضدة عليها براد الشاي وفنجانان للشرب.

ومن أطراف أقسام هذه القاعة أيضًا، قسم أدوات الحلاقة والزينة، فقد كان للحلاقين في القرون الوسطى شأن كبير في أغلب بلاد العالم خاصة من كان منهم متصلاً بأكابر رجال الدولة فكانوا يقومون بالحلاقة اليومية وصبغ الشعر وغسيل الوجه والرأس ثم تجميل الأمير وإعداده لمقابلة حاشيته، وهم في أثناء ذلك يقصون عليه كل أخبار المدينة. وكانوا إلى جانب ذلك يقومون بوصف الأدوية وإجراء العمليات الجراحية الصغيرة مثل الطهارة، وخلع الأسنان والحجامة وغيرها.

ويوجد بهذا القسم دولاب به نماذج من أمواس الحلاقة القديمة، ومجموعة من طاسات توضع حول الرقبة أثناء الحلاقة وغسيل الرأس، ومجموعة من كماشات صغيرة لخلع الأسنان ومقصات صغيرة خاصة بطهارة الأولاد.

كما يحب المصريون الفنون بأنواعها، والتي تنبع بصفة خاصة من التراث الشعبي، وبالمتحف مجموعة كاملة من أدوات اللهو والترفيه التي اندثر معظمها. ومنها الآلات الموسيقية الشعبية كالعود والقانون والرق والناي والكمنجة الأرنبة، والملاهي الشعبية التي تعرف باسم «صندوق الدنيا» والتي تعرض من خلال ثلاثين صورة قصيرة قصة السفيرة عزيزة، وإلى جوارها نموذج من القراجوز الريفي بعرائسه البدائية، ويضم المتحف نموذجًا كاملاً لخيال الظل الذي كان يحكي قصصًا من التراث الشعبي. وعرض أيضًا للعب الأطفال من العرائس وخاصة عرائس المولد التي كانت تصنع من الحلوى.

وعندما اخترعت وسائل الإنارة بالكهرباء، تغيرت المعالم الليلية لكل مدن وقرى العالم، وقد كان للشرق عاداته وتقاليده في الإنارة وأدواتها المختلفة خاصة في الأعياد وفي شهر رمضان وفي المواكب والأفراح. وبالمتحف مجموعات جميلة كاملة من أدوات الإنارة خاصة مجموعة الفوانيس الشرقية ذات الزجاج الملون، ومنها فوانيس الطريق وهي ثلاثة أنواع، الأول فوانيس الطريق الكبيرة التي تعلق أمام الأبواب، ويملك المتحف منها عددًا كبيرًا (نحو ٢٦ فانوسًا) هي غاية في الجمال والرقة في صناعتها وفي ألوان زجاجها. والنوع الثاني من الفوانيس التي كان يحملها الخدم لمصاحبة السيدات في تجوالهن، وهي تتكون من قاعدتين من النحاس المزخرف زخرفة جميلة بينهما غلاف أسطواني من الرَّق الشفاف يمكن فرده ليمنع تأثير الهواء على الشعلة المركبة في القاعدة السفلية. والنوع الثالث، مجموعة كبيرة من الفوانيس الصغيرة التي يلعب بها الأطفال في شهر رمضان، وهي بسيطة الصنع رخيصة ومن الزجاج الأبيض والملون. وبالإضافة إلى ذلك توجد مجموعة من المسارج والشمعدانات والمشكاوات والتي كانت تستخدم في الإضاءة الداخلية في المساجد والمنازل.

واهتم المتحف بالأزياء، فجمع لهذا الغرض عددًا من الصور واللوحات التي رسمها المصورون والرحالة الذين زاروا مصر، وكذلك عددًا من النماذج المجسمة التي تعرض الملابس ومن يلبسها من أهالي الطبقات المختلفة سواء كانوا عمالاً أو فلاحين أو وزراء، ويحتفظ المتحف بأزياء للنساء من جميع أرجاء مصر؛ من النوبة، وسيناء، وسيوه، وصعيد مصر، وريف الدلتا. وبالمتحف أيضا أقمشة مطرزة بالحرير أو الذهب.

كانت مصر طوال تاريخها القديم والحديث تهتم اهتمامًا كبيرًا بأعيادها وكانت تنظم في هذه الأعياد مواكب كبيرة يشترك فيها ممثلو الحرف والصناعات كما يشترك فيها العلماء والقضاة وغيرهم وقد اندثر أكثر هذا، ولم يبق منها إلا زفة العروس «بالسيارات» ورؤية هلال رمضان ووفاء النيل الذي أصبح رمزيًا بعد بناء السد العالي.

وارتبط بهذه الأعياد صناعة الكعك في المنازل وبالمتحف نماذج جصية له وكذا القوالب الخشبية التي كانت تستعمل لصب هذا الكعك والمناقش التي تستعمل في ولائم الأفراح.

 

قاعة الحرف والصناعات

تشتمل هذه القاعة على مجموعات عدة من إنتاج الحرف والصناعات المصرية الأصيلة وخاصة الحرف اليدوية التي تخصص فيها المصريون مثل صناعة النحاس التي اشتهرت بها مصر منذ القدم، وعرضت بالقاعة إنتاج هذه الصناعة من الحنفيات والصنابير، ويلاحظ الزائر أن هذه الأدوات بالرغم من أنها عادية الاستعمال فإنها جميلة الصنع فنية التشكيل. ومن أطرف المعروضات مجموعة كبيرة من الأهوان والأجران والتي كانت تستخدم لطحن المواد الغذائية، وهي مختلفة الأشكال والأحجام. وتلي الصناعات النحاسية في أهميتها صناعة الحديد، وهي صناعة لها أهمية كبرى في كل بلاد العالم لاتصالها المباشر بالصناعات الحربية، بالإضافة إلى تفاخر الحدادين بصناعتهم لصعوبة استخراج الصلب وتطويعه ثم زخرفته بالفضة والذهب. وعرض بالقاعة العديد من أدوات الحدادين المصنوعة من الحديد، ومنها أدوات البنائين ونحاتي الحجر، أدوات النجارين، أدوات الحدادة نفسها مثل السندان والمطارق والكماشات، والأقفال، والمفاتيح، وستتوقف كثيرًا معنا أمام الأقفال الصغيرة الدقيقة الصنع وهي ذات جهاز سري لفتحها. وبالقاعة قسم لأدوات صناعة الأحذية اليدوية، ونماذج من منتجاتها الجلدية الجميلة والمتينة الصنع، وأهمها الأحذية المختلفة الأنواع مثل المركوب للنوبيين، والبلغة للفلاح، والمنتوفلي للسيدات. وقباقيب الحمام المزخرفة بالصدف، والشنط الجلدية المختلفة الأشكال والألوان.

وشاعت أعمال الخشب وخرطه وتطعيمه بمختلف المواد الثمينة، وتطورت حتى أصبحت تنتج تحفًا هي آية في الجمال ومعجزة في دقة الصنع، وبالمتحف نماذج من مدرسة القاهرة وهي من أهم مدارس هذا الفن والتي أنتجت الخشب المعشق والمخروط والمرسوم والمحلى بمختلف النصوص المكتوبة، ويعرض في هذا القسم الخرط وأدواته ومنضدته ونماذج من إنتاجه منها ثلاثة نماذج من أدوات الخراط، وست لوحات من الخشب عليها نماذج من الخرط الخشبي والتعشيقات المختلفة، وهي تتباين من الشغل المتناهي في الدقة إلى الأشغال الكبيرة الرخيصة. ويمتلك المتحف نماذج رائعة من التحف الخشبية، ولعل أجمل تحفة هي تختروان العروس، وهي المحفة التي كانت تزف فيها العروس إلى منزل زوجها وسط موكب «الزفة» الذي كان يحوي عددًا كبيرًا من الألعاب والموسيقيين والراقصين وأهل العروس وعريسها مخترقين شوارع المدينة التي تسكنها العائلتان. والتختروان المعروض من النوع الذي كان مستعملا في القاهرة في القرون السابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، ثم اندثر هذا الموكب من القاهرة، واستمر في الأرياف حتى السنين الأخيرة عندما بدأ سكان الريف في استعمال السيارات وغيرها من الوسائل الحديثة.

وهذا التختروان الفاخر جدًا مصنوع من أثمن أنواع الخشب، ويتكون من مقصورة واسعة لها بابان وستة شبابيك وهي محمولة على عريشين «ذراعين» طول كل منهما ٥م، وهما مصنوعان من الخشب المتين السميك يستعملان لحمل المقصورة بواسطة جملين قويين والجزء الأمامي للتختروان به مشربيتان لكل منهما ٥ أوجه مما يسمح لراكبات التختروان بمشاهدة موكب الزفاف وما يجري فيه من ألعاب ومسرات، والشبابيك والمشربيات بالتختروان مصنوعة من الخرط الدقيق، كما أن خشب الإطارات مطعم بالعاج والصدف تطعيمًا فنيًا رائعًا، وفي كل ركن منه رأس للبيدق «المعلم» يعلوه هلال ونجمة، ومعه عدد من الأغطية المزخرفة زخرفة جميلة ملونة بالصدف وبالمرايا والأجراس التي كانت توضع فوق ظهور التختروان.

ومن هذه التحف كوشة العروس وهي مقعد فردي جميل مزخرف كان يستعمل كوشة للعروس وحدها، وهي عبارة عن مقعد ذي ذراعين ومسند للظهر وموطئ للقدمين، وهو مطعم بالعاج وعليه زخارف ورسوم وأزهار وهي مكسوة بقش الخيزران.

 

قاعة الريف

 

اقتصرت القاعة على عدد من المجموعات المهمة الثمينة التي تمثل عادات وتقاليد ريف مصر خاصة بعض التقاليد التي اندثرت ولم يبق لها أثر في حياة الفلاحين. ومن أهم أقسام هذه القاعة، قسم الفخار، وبه أواني الزينة وهي تشمل عددًا من القلل والأباريق المطلية بألوان مختلفة تستعمل في حفلات الزواج أو السبوع، ومجموعة من الطواجن المزججة من الداخل وكذا القدور وكلها تستعمل في طهي المأكولات في الأفران ولتسخين الماء، ومعها مجموعة من الدفايات التي تستعمل في الريف للتدفئة وتستعمل فيها قوالح الذرة الشامي لإشعال الحريق. أما أوعية الشرب فتشمل عددًا من القلل والأباريق والأزيار والبلاليص وكلها مصنوعة من الفخار الأبيض العادي وتصنع عادة في قنا أو في ضاحية مصر القديمة بالقاهرة. ويوجد بالقاعة عدد ١٠ من «الزلع» الضخمة يتراوح ارتفاعها من ٧٥ سم إلى ١١٥ سم ولها فتحات واسعة وجسم شبه كروي ضخم وهي مصنوعة من الفخار السميك المزجج من الداخل بلون داكن وكانت تستعمل لتخزين وحفظ السوائل الثمينة مثل السمن والزيت والعسل وغيرها، وهي مصنوعة صناعة جميلة لا تخلو من الجمال، وقد اندثرت هذه الأواني الآن.

وحرص المتحف على اقتناء مجموعة من إنتاج فخار أسيوط المشهور بجودته ومن أمثلته: المزهريات وفناجين الشاي والقهوة والصواني والشمعدانات، وهذا الفخار مصنوع صناعة فنية دقيقة ومصقول صقلاً ناعمًا من دون أي تزجيج وهي صناعة كانت خاصة بإقليم أسيوط وقد اندثرت تمامًا اليوم.

ونظرًا إلى إنتشار زراعة النخيل في مصر وتوافر كميات الخوص والجريد فقد ازدهرت صناعات الخوص لعمل المقاطف والقفف والمنشات وكذا صناعة الجريد لعمل أقفاص الفاكهة والدواجن وصناعة حبال الليف الأحمر، ومن أروع نماذج هذه الصناعة بالمتحف المراجين وهي أوعية من الخوص الملون تستعمل في حفظ الملابس. وتنتج هذه الصناعات في أسوان وبلاد النوبة.

قاعة قناة السويس

 افتتحت هذه القاعة عام ١٩٣٠م، بعد أن رأت شركة قناة السويس أن تهدي المتحف الجغرافي قاعة تحوي عددًا كبيرًا من الوثائق والصور والخرائط والمجسمات التي تلخص تاريخ القناة منذ افتتاحها إلى عام ١٩٣٠م.

قاعة إفريقيا

وتشغل هذه القاعة عجة مجموعات؛ أولى المجموعات التي اقتنتها الجمعية وذلك عن طريق المستكشفين والرحالة الذين أوفدتهم الجمعية في بعثات للكشف عن منابع النيل، ثم أضيف إلى هذه المجموعة مقتنيات أهديت من قبل الضباط المصريين الذين خدموا في السودان، وجلبت مقتنيات من الحبشة والصومال وأريتريا ووسط إفريقيا.

وفي قسم الحراب بالقاعة أكثر من ٢٥٠ حربة، منها ٨ حراب ذات نصل من الحديد المصقول على شكل ورقة شجر ولها عصا طويلة من الغاب مما كان يستعمله الدراويش من قبيلة البغارة في حروبها، والسلاح أملس من دون مجارٍ ولا تضاريس، كما توجد رماح أخرى نصلها مختلف اختلافًا تامًا، فبعضها ذو أسنان مدببة في اتجاهين متضادين مما يجعل استخراج النصل من الجسم مستحيلا،ً وكان هذا النوع مستعملاً في دارفور وكردفان. وتضم مجموعة الخناجر بالقاعة مجموعة كاملة من الخناجر الإفريقية ذات الشكل الخاص والتي تستعمل في الرمي وهي تسمى بالكلبيدا وتستعملها قبائل الأزاندي.

 

وبالقاعة أكثر من ٥٠ درعًا مصنوعة من كل المواد الموجودة في متناول أيدي الإفريقيين، ابتداءً من الدروع المصنوعة من القش إلى الدروع المصنوعة من صدفة سلحفاة البحر والتي تعتبر من أصلب المواد بما في ذلك الدروع المصنوعة من جلود الفيل والتمساح والخرتيت. كذلك تختلف أشكال الدروع نفسها، فمنها المستدير والمستطيل والبيضاوي وغيرها، كما تختلف الزخرفة الملونة التي تطلى بها هذه الدروع تبعًا للقبائل التي تستعمل الدروع لأن لكل قبيلة شكلاً ولونًا مميزًا خاصًا بها. ومن أروع دروع القاعة ثلاث دروع فخرية مهداة من إمبراطور الحبشة إلى المتحف، وهي تستعمل عادة في الحفلات الرسمية والمناسبات الفخرية يلبسها الحرس الإمبراطوري وهي من القطيفة وعليها قطع من الزجاج بألوان الأحجار الكريمة.

 

كما توجد بها مجموعة الأثاث الإفريقي والتي تتكون من عدد من المقاعد المصنوعة كلها من قطعة واحدة من الخشب ذات أشكال مختلفة جميلة وهي مجلوبة من مناطق مختلفة مثل منجيتو وباري وما جنجور الأوبانجي وبعض مناطق السودان، ويلاحظ الزائر أن الإفريقيين يستعملون مسندًا للرأس خاصة عند قبائل النوير والشلوك والدنكا، وأن هذه المساند مشابهة جدًا لمساند الرأس المستعملة عند قدماء المصريين، وبالمتحف ثلاثة أسرة من النوع السوداني المسمى بالعنجريب وهي من منجيتو وأحدها كان عند مونزا ملك منجيتو، والسرير طوله ١٩٥ × ٩٤ سم ويعلو عن سطح الأرض ٣٥ سم على أرجل مزخرفة، والسرير مصنوع من القش والغاب المتين وحبال الألياف. وتحتل الأدوات المنزلية ركنًا مهمًا بالمنزل الإفريقي، ونرى هنا مجموعة من أطباق الغرف، وأطباق الأكل أكثرها مصنوع من قطعة واحدة من الخشب المتين المصقول، يبلغ بعضها أحجامًا كبيرة وقد يصل قطرها إلى ٥١ سم، وإلى جوارها أوان بعضها لحمل اللبن والماء وأكثرها مصنوع من القرع العسلي الكبير الجاف والبعض الآخر من الخشب أو من الفخار. واستخدم القش في صناعة عدد من الأطباق وأغطية الطعام المخروطية الشكل وكذا صوانٍ كبيرة لحمل الطعام، وقد عرضت بالقاعة نماذج منها.

 

ويوجد بالقاعة أيضًا مجموعة من آلات الموسيقى الإفريقية، منها مجموعة كاملة من الطبول وعددها ٨، تستعمل في كثير من المناسبات الخاصة وأهمها الطبول الكبيرة التي تدق في أثناء الحرب والهجمات، وكذا طبلة كبيرة تصنع عادة من الغلاف الخشبي للشجر الكبير وهي مفرغة من الداخل، وتستعمل خصيصًا لنقل الإشارات والرسائل من فوق أعالي الجبال. وبالقاعة آلات وترية وهي تشمل كل أنواع الآلات الموسيقية البدائية المستعملة في إفريقيا منها آلتا هارب وهي تشبه تمامًا الآلة المماثلة التي كان قدماء المصريين يستعملونها ولها خمسة أوتار مشدودة على صندوق صوتي، وهي مستعملة عند قبائل الأزاندي، كذلك يوجد عدد ٢ آلة تشبه آلة اللير الغربية، ولكنها هنا بدائية على شكل مثلث وبها ستة أوتار بدون مفاتيح، وتسمى بالدلوكة ويستعملها المغنون والجوالون من قبائل البشارية، وبجوارها ٩ أبواق غاية في الجمال ذات أطوال مختلفة تعطي كل منها نغمة مختلفة الارتفاع. وهذه الأبواق مصنوعة من قرون الحيوانات أو من أنياب الفيل.

للمزيد من الصور اضغط هنا

المصادر

الجمعية الجغرافية المصرية.

مجلة العربي.