محمد أشرف يكتب: ما هو الأمن؟ أو ماذا تعني كلمة الأمن؟
هو إزالة كل أسباب الخوف.
في اللغة العربية ومرجعها الأول القرآن الكريم، ذكرت كلمة الأمن في سورة قريش، (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
كنت قد حضرت أحد الندوات والقى فيها الشيخ علي جمعة خطبة توعية، اشار خلالها إلى الحرب الأهلية في الجزائر (العشرية السوداء) التي أودت بحياة ٣٠٠ ألف جزائري.
قال حينها أراد الأزهر التدخل لوقف سفك الدماء بالجزائر واصطدم بتيارات الإسلام السياسي هناك، وكان السؤال المطروح من الأزهر هو (الدين أولا أم تحقيق الأمن أولا؟) كانت رؤية علماء الأزهر أن توفير وتحقيق وبسط الأمن أولا في الجزائر هو الكفيل الوحيد لتطبيق شعائر الدين في أي دولة وممارسة حرية العبادة بالشكل السليم ولا سيما في الجزائر، وذلك استشهادا بالآية الكريمة التي اشترطت أن عبادة الله عز وجل لا يمكن أن تتحقق دون سد احتياجات العباد من الطعام والشراب وتوفير الأمن لإزالة كل أسباب الخوف.
ونحن كمسلمون، هل يمكنك الصلاة في المساجد أو في بيوتنا ونحن غير آمنين، هل ستستطيع الصلاة وباب منزلك مفتوح، هل ستتمكن التركيز والخشوع في صلاتك؟
هل ستستطيع قراءة القرآن والصيام وأنت لم تفطر أو ليس لديك طعام تفطر به وقت أذان المغرب؟ وإذا تحاملت على نفسك هل يمكنك متابعة الصيام واقامة الشعائر الدينية لليوم التالي؟
في أكاديمية ناصر العسكرية العليا خاصة وبقية المعاهد العسكرية بشكل عام يتطرقوا لشرح مفهوم الامن القومي، وتطرقوا لشرح كلمة الأمن، ووجدت في الاكاديمية أنهم استنبطوا المفهوم الأول لكلمة الأمن باللغة العربية من نفس الآية الكريمة، ورغم أنهم في الأكاديمية أضافوا لدارسيهم مفاهيم الأمن القومي لحلف الناتو أو مفهوم الامن القومي الأمريكي إلا أنني وجدت أن أعظم تعريف للأمن هو ما تم استخلاصه من الآية الكريمة وهو الأساس الذي بني عليه مفهوم الأمن القومي المصري.
من المؤكد اننا كمصريون سباقون في الفلسفة الدينية والفلسفة العسكرية، فنحن أقدم شعب مارس الشعائر الدينية، وأقدم دولة مدنية وأقدم جيش نظامي، ولدينا من الاساسات الراسخة التي تستطيع ملائمة كل ما هو مستجد من الممكن أن يؤثر على نمط حياتنا وتطبيعه وتمصيره إلى الحد الذي يتواكب مع شخصية مصر كدولة أو الشخصية القومية.
ومن المؤكد أن دولة بحجم مصر الاطول عمرا والأكبر تاريخا طالما تعرضت لنكسات وكوارث، ولكن رغم فداحة كل نكسة أو كارثة لم تنهار هذه الاساسات الراسخة التي شكلت شخصية مصر القومية، بل إن هذه الاساسات هي التي وقفت حائط صد ضد أي تغيير أو قامت باستيعاب وتذويب كل نكسة.
فمصر في تاريخها الحديث والقديم وفي أضعف أوقاتها لم تؤد الانقسامات أو القلاقل بها إلى أن تشهد حرب اهلية مثلما حدث الجزائر، أو لبنان، أو سوريا، أو العراق.
وحتى وإن خسرت حروب أو احتلت لا يكون الدمار كفيلا بتدمير كيانها الرسمي والشعبي كما حدث في بلاد أخرى، ولعل العقد الأخير شهدت مصر ثورتين وانقسامات وقلاقل، شهدت مصر صورة مخففة من كل ما يحدث سواء في المشرق العربي أو بالمغرب العربي، ولكن ليس بضخامة ما حدث في البلدان الأخرى.
تظل مصر هي منبع كل الأفكار سواء الجيدة أو السيئة، فالإخوان المسلمون بأفكارهم خرجوا أيضا من مصر، دمروا وخربوا وقسموا وفككوا كل هذه البلدان إلا مصر رغم إنها كانت مقصدهم الأول، أقول هذا الكلام ونحن في خضم أزمة وجودية (سد النهضة)، والتي يشعر بسببها كل مصري بالخوف والقلق مستقبلا، وعلى مدار عشر سنوات منذ بداية الأزمة لم تتمكن الدولة المصرية من إزالة كل أسباب الخوف لدى الشعب المصري، وأريد أن أوضح أن بعد ثورة ٢٣ يوليو، كان المشهد ذاته عند المصريين، وبعد حرب ٦٧ كان المشهد ذاته عند المصريين، وايضا بعد ثورة ٢٥ يناير وكذلك بعد ثورة ٣٠ يونيو، (الخوف من المستقبل، الخوف مما هو قادم) فلحظات القلق واليأس القاتل في التاريخ المصري كانت هي نفسها أقرب اللحظات للانتصار الكامل.
لقد انتصرت مصر في الماضي وعبرت كل أزمة بفضل الله الذي وهبها الشخصية القومية الفريدة في الإقليم وما الاشخاص إلا نتاج للوعي القومي الذي تشكل وتطبع في ظل هذه الاساسات الراسخة
كلي ثقة اننا سنعبر هذه المرحلة بنجاح، وان ما هو كائن ضدنا اليوم سيكون في مصلحتنا غدا، ولنتخذ من التاريخ عبرة فيما هو آت.
وان الشيء الوحيد الذي يكفل الأمن والاطمئنان للشعب المصري الآن ومستقبلا هو إدارة الأزمة بالشكل الذي يجنبها أي تهديد لأمنها المائي وكلي ثقة بأن هذا الذي سيحدث.
لنا وطنٌ بأَنفسِنا نَقيه.... وبالدُّنيا العريضة نَفتديه
إذا ما سيلتِ الأرواحُ فيه.. بذلناها كأنْ لم نعطِ شيَّا
إليْكِ نَموتُ مِصْرُ كما حَيينا.. ويبقى وجهكِ المفديُّ حيَّاً
(حقوق الصورة: موقع رئاسة جمهورية مصر العربية)