السعودية .. بين "صلح إيران" و"عداوة أمريكا"

السعودية .. بين "صلح إيران" و"عداوة أمريكا"

 

بقلم/ ياسر أبو معيلق

أخبار عودة العلاقات تدريجياً بين السعودية وإيران، مقابل ما يحدث من تسخين بين الرياض وواشنطن، بسبب رفض الأولى طلب الأخيرة رفع إنتاج النفط، بات معروفاً لأغلبكم. ولكن لماذا اختارت السعودية الآن الوقوف في وجه الولايات المتحدة؟ وهل يعني ذلك أن المملكة ستقطع روابطها بالكامل مع أمريكا؟

من يظن أن المملكة تسعى لقطع علاقاتها مع الإدارة الأمريكية واهم. السعودية ما يزال يُنظر لها في أروقة السياسة الأمريكية كأحد أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكشريك موثوق يُعوّل عليه في فترة الأزمات. كما أن القيادة السعودية ما تزال تنظر إلى الولايات المتحدة كأهم دعامة لتثبيت الأمن في منطقة الشرق الأوسط.

إلا أننا يمكن أن نستشف من تصريحات عدد من الوزراء والمسؤولين السعوديين مؤخراً، آخرهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان، أن المملكة باتت أكثر وعياً وإدراكاً لموقعها في النظام الدولي المتغير، ولمدى تطلع كثير من دول المنطقة إليها، لاسيما في ظل الأزمات التي ما تزال تعصف بعدد من الدول العربية، خاصة ما يتعلق بالاقتصاد.

لذلك، فإن السعودية تحاول منذ عدة سنوات، وتحديداً بعد وصول جو بايدن إلى المكتب البيضاوي، أن توصل للأمريكيين رسالة مفادها: زمن الإملاءات والطلبات المجانية انتهى. إذا أردتم أن نقدم لكم شيئاً، فعليكم تقديم مقابل مساوٍ له في القيمة.

علاوة على ذلك - وهذه وجهة نظري - أعتقد أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، معجب شخصياً بأسلوب الدبلوماسية الصينية: أسلوب هادئ رصين يحقق أهدافه دون أن يملأ الأرض صخباً بالإعلان عن ذلك أو الطنطنة له في وسائل الإعلام، مثلما حصل في الوساطة الصينية بين السعودية وإيران.

أيضاً، الأمير بن سلمان - برأيي - أيضاً معجب بانفتاح الصينيين على الجميع بلا استثناء، ودون شروط مسبقة، بعكس الأوروبيين والأمريكيين، الذين عادة ما يضعون اشتراطات مسبقة متعلقة بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها من القيم الاخرى.

هذه البراغماتية الهادئة، وتأكيد بكين دوماً أنها تريد الازدهار والسلام للجميع دون هيمنة أو إمبريالية، تبناها الأمير السعودي في مسارات الدبلوماسية الخارجية للمملكة، فشهدنا رفضاً للإملاءات الأمريكية، وعدم الوقوف وراء عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقرارات اقتصادية هامة تتعلق ببيع النفط باليوان الصيني، وصولاً إلى فتح صفحة جديدة مع النظامين الإيراني والسوري.

ولعل أبرز مثال على "التأسي" بمثال السياسة الخارجية الصينية هو ما قاله وزير الخارجية السعودي في ديسمبر ٢٠٢٢، على هامش مؤتمر السياسات العالمي الذي عُقد في أبو ظبي (ترجمتي من الإنجليزية):

"مهمتي كما أوكلت لي من القيادة (السعودية) واضحة للغاية: السياسة الخارجية السعودية هي أداة لتحقيق الرخاء الوطني. هذه هي الأولوية القصوى: كيف نحقق رخاءً مستداماً للشعب السعودي. كل ما نفعله على الساحة الدولية يجب أن يركز على هذا الهدف، وهذا يعني حماية مصالحنا، وبناء الشراكات، وبناء منطقة آمنة ومستقرة أيضاً، لأنك لا تستطيع بناء ازدهار مستدام في منطقة مضطربة".

لذلك، باتت السعودية أكثر انخراطاً في المسارات الدبلوماسية الإقليمية، والدولية أيضاً، بهدف تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة العربية المتقلبة، وبالتالي ضمان الرخاء المستدام لمواطنيها، أولاً، ولمواطني المنطقة ثانياً.

إذن، ما الذي يعنيه كل ذلك للعلاقات بين واشنطن والرياض؟

لا أعتقد أنه سيعني الكثير الآن، لأننا اقتربنا من منتصف عام ٢٠٢٣، والأمريكيون وساستهم بدؤوا يستعدون للمعركة الانتخابية العام المقبل، وهذا يعني دخول السياسة الخارجية الأمريكية مرحلة سبات شتوي للتركيز على قضايا المواطن الأمريكي المتعاظمة مؤخراً (غلاء الأسعار والطاقة، التضخم الاقتصادي، المديونية العالية لمؤسسات الدولة، الانقسامات الاجتماعية والعرقية...إلخ)

على ضوء ما تقدم، أرى بأن السعوديين الآن سيسارعون في استغلال فرصة السبات الشتوي هذه لحل ملفات المنطقة الأكثر إشكالاً، وتثبيت أساسات شراكاتهم وتحالفاتهم بعيداً عن الولايات المتحدة، لحين معرفة هوية الساكن الجديد (أو القديم) للبيت الأبيض.

(الحقوق الصورة : وكالة الأنباء السعودية / AFP).