موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي... الأولى من نوعها على مستوى فكرة مَوْسَعَة الكتب

في التاسع من مضان عام ١٣٨٨ هجري، والموافق التاسع والعشرين من نوفمبر عام ١٩٦٨م، قدم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية هدية ضخمة لمؤسسات وبلدان عديدة.
وكانت الهدية عبارة عن ١٠٠ مصحف مرتل و١٠٠ نسخة من موسوعة الرئيس جمال عبدالناصر للفقه الإسلامي، و ٧٠٠٠ أسطوانة لتعليم شعائر الإسلام وكيفية أداءها مترجمة باللغات واللهجات المنتشرة في أوروبا وأفريقيا والشرق الأقصى.
هذه الهدية أهديت إلى جامعة فينا وجامعة بغداد والمتحف البريطاني في لندن ومكتبة الكونجرس في أمريكا، كما تم إهداء ٣٠ ألف مصحف وكتاب إلى باكستان، واليمن الجنوبية واليمن الشمالية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وسيراليون، وماليزيا، والفلبين، والصومال، والسودان، وأوغندا.
كما استجاب مجلس الشئون الإسلامية لرغبة شعب السودان فسجل المصحف المعلم بقراءة الدوري عن أبي عمرو، واستجاب لرغبة الشعب الليبي فتم تسجيل مصحف قالون، كما تم تسجيل المصحف المعلم بقراءة ورش وقراءة حفص للشعوب الإسلامية وذلك ليساهم في تحفيظ القرآن عن طريق هذه المصاحف.
كان إدوارد لأمبير القانوني الفرنسي هو من أوائل الذين حلموا بوجود موسوعة في الفقه الإسلامي عندما انعقد لاهاي للقانون المقارن عام ١٩٣٢م، وتكرر نفس الحلم في توصيات مؤتمر المحامين الدولي في لاهاي عام ١٩٤٨م، وتجددت الدعوة مرة أخرى عام ١٩٥١م، بمؤتمر الفقه الشرقي الذي عُقد بكلية الحقوق في باريس حيث طالبت توصياته بإخراج عمل موسوعي مرتب للفقه مثل موسوعات القانون وكان بعض الفقهاء السوريين قد شهدوا هذا المؤتمر وشاركوا في أعماله فعادوا إلى وطنهم مقتنعين بأن العالم الإسلامي لتراثه الفقهي واجبًا ينبغي أن يؤدي وأن إنشاء هذا المعجم الذي تمناه ذلك المؤتمر شيء وجب أن ينهض به العلماء العرب وأذاعوا هذه الفكرة ودعوا إليها حتى أقنعوا بها كلية الشريعة في جامعة دمشق وإذ هي تتقبل هذا الرأي قبولًا حسنًا وتجد فيه جدا مشكورًا حتى استطاعت أن تقنع الجامعة وأن تقنع الحكومة السورية قبل الوحدة مع جمهورية مصر العربية و أن تصدر مرسومًا جمهوريًا بإنشاء هذا المعجم على نظام معين ينبت أصوله في هذا المرسوم.
وأنشئت لجنة من الفقهاء في كلية الشريعة لوضع هذا المعجم، ولم تتعجل هذه اللجنة في عملها وإنما مضت في الإعداد له على نحو منهجي دقيق أشد الدقة وأحراها أن يعين على بلوغ الغاية.
وكانت الخطوات تمضي بطيئة، ثم تسارعت وتيرة العمل خلال سنوات الوحدة العربية بين سوريا ومصر، عندما صدر القرار الوزاري رقم ٢٤ لسنة ١٩٦١ بتاريخ الثامن عشر من يناير العام ١٩٦١م، بتشكيل لجنة لعمل الموسوعة تضم مجموعة من الفقهاء المتخصصين السوريين والمصريين كالدكتور معروف الدواليبي والدكتور مصطفي السباعي والدكتور أحمد السمان والأستاذ مصطفي الزرقا والدكتور يوسف العش والدكتور زكي عبد البر. وفي ذات العام صدر القرار رقم ٣٣ ليقضي بتسميتها موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي.
وتعد الموسوعة مشروعًا ضخمًا جدًا يشمل الأحكام الفقهية والتراجم بالحروف الأبجدية على المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة؛ الأحناف، الشافعية، المالكية، الحنابلة، وغيرها كالظاهرية، والزيدية، والشيعة... وحرصت اللجنة على أن تكون الموسوعة جامعة لألوان الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهب المسلمين فيه وليستطيع الباحثون أن يجدوا في هذا المعجم بعد إتمامه مرجعًا شاملًا لكل ما يمكن جمعه من آراء الفقهاء المسلمين في الأحكام، على اختلاف هذه الآراء وتشعبها... ونية اللجنة ألا يعرض الفقه في هذه الموسوعة كما كان يعرض في الكتب القديمة غامضًا متعقدًا لا يفهمه إلا الذين تعمقوا علوم الدين وإنما يعرض في عبارة واضحة يفهمها علماء الدين وفقهاء القانون وكل مثقف يريد أن يعرف لونًا من ألوان البحث الفقهي الإسلامي.
نُشر منها منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الستينات من القرن الماضي حتى اليوم أكثر من أربعين مجلدا تحت إشراف وزارة الأوقاف المصرية ولجنة الفقه الإسلامي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المصرية برئاسة الراحل الأستاذ الدكتور أحمد علي طه ريان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
واعتادت مصر في أواخر ستينيات القرن الماضي أن تقدم لدول العالم موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي في المناسبات الدينية الشهيرة مثل المولد النبوي وشهر رمضان، وكانت تلك الموسوعة هي الأولى من نوعها على مستوى فكرة مَوْسَعَة الكتب.
المصادر
كتاب كلمات للدكتور طه حسين.
موقع الميزان.