ذكري النكبة.. جرح فلسطين الغائر وقومية عبد الناصر
في الثاني من نوفمبر عام ١٩١٧، صدر وعد بلفور الذي مَنح بموجبه وزير خارجية بريطانيا "آرثر بلفور" أرض فلسطين لليهود لإنشاء وطن قومي لهم، وهو إعطاء "من لا يملك لمن لا يستحق"، وكان ذلك الوعد المشؤوم بداية لنقل اليهود من شتى أقطار الأرض إلى فلسطين، بمساعدة الانتداب البريطانيي. وفي نوفمبر عام ١٩٤٧ صُدر قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، وأعطى هذا القرار جزءاً من فلسطين العربية كأرض تمثل وطناً قومياً لليهود تحقيقاً لوعد بلفور البريطاني، وفي ١٤ مايو عام ١٩٤٨ قرر البريطانيون إنهاء انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفد بن غوريون "إقامة
دولة إسرائيل" وأعلن الفلسطينيون ١٥ مايو يوم نكبتهم.
بدأت المأساه الفلسطينيه بتشريد اعداد كبيره من الشعب الفلسطيني وهدم بيوتهم، وطرد ما يزيد عن ٧٥٠ ألف فلسطيني من أراضيهم وتحويلهم إلى لاجئين، وإيقاع مجازر قتل فيها آلاف الفلسطينيين، وإحراق قراهم وهدم أكثر من ٥٠٠ قرية فيما بعد وإحلال اليهود مكانهم، كما شملت أحداث النكبة العمل على طمس الهوية الفلسطينية، وتغيير الأسماء الجغرافية للأماكن الفلسطينية إلى عبرية، ومحاوله محو الهوية العربية للبلاد.
واندفعت الحركات الوطنية في فلسطين وفي باقي العالم العربي لمقاومة هذا العدوان، وأصدر الملك فاروق أمره بإعلان الحرب، كما دفع أيضا زعماء العرب جيوشهم لدخول الحرب، ولم تكن الدول العربية على استعداد كافي لخوض هذه المعركة. واشترك الجيش المصري في هذه الحرب بالأسلوب القتالى التقليدي ضد قوات الإرهاب الصهيونية المشكلة على شكل حرب عصابات أمدتها بريطانيا بأحدث الأسلحة والعتاد في الوقت الذي رفضت فيه أن تزود الجيش المصري بالسلاح والذخيرة، وفي وسط المعركة اكتشف رجال الجيش عوامل الخيانة، واتضح أن الأسلحة التي وردت للجيش فاسدة غير صالحة، وعاد الضباط الأحرار وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر من حرب فلسطين ١٩٤٩، مرورا بأحداث معركة الفالوجه، ونفوسهم مشتعلة بنيران الثورة لإصلاح تلك الأوضاع.
لذلك يمكن التوثيق أن ثورة ٢٣ يوليو الخالدة، ولدت من رحم أحداث القضية الفلسطينية إلى جانب عوامل أخرى عديدة خاصة بمصر، وهذا ما أعطى بعداً قومياً عروبياً على الثورة وأهدافها وسياساتها على مدى سنوات حكم عبد الناصر، الذي حمل عبء القضية الفلسطينية على عاتقه، وكان يجدها قضية العالم العربي وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، واعتبرها هدفاً مركزياً في مقدمة أهدافه القومية، وان امن فلسطين مرتبط بأمن مصر. وهذا ما جعله في مواجهة مباشرة ليس فقط مع الكيان الصهيوني، وإنما أيضاً مع الغرب الاستعماري.
ووضع عبد الناصر طاقات وإمكانات مصر المادية والعسكرية في التصدي لذلك التحالف الاستعماري ولم يتوقف عبد الناصر عن توفير الدعم للقضية الفلسطينية، بل أنه أخذ أشكالا أخرى غير تمويل الفصائل الفلسطينية وتزويدها بالأسلحة، حيث دعم المقاومة الفلسطينية وساهم فى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، كهيئة تعبر عن إرادة الشعب الفلسطينى، وتتولى أمر السعى لاسترداد حقوقه، كما أشرف على توقيع "اتفاقية القاهرة" بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية فى نوفمبر ١٩٦٩ حفاظاً على الثورة الفلسطينية واستمرار مسيرتها النضالية.
وظل عبد الناصر يدعم الثورة الفلسطينية بكل مساعيه حتى أواخر ايامه ورحيله عن عالمنا فى الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٧٠. ولا يزال الكيان الصهيوني على مدار عقوداً مضت وحتي يومنا هذا يحاول طمس الهوية الفلسطينية وتصفية قضيتها، ونزعع الحقوق من أصحابها.