رجال حول الرئيس عبدالناصر(١٠).. المهندس محمد صدقي سليمان وزير السد العالي

رجال حول الرئيس عبدالناصر(١٠).. المهندس محمد صدقي سليمان وزير السد العالي
رجال حول الرئيس عبدالناصر(١٠).. المهندس محمد صدقي سليمان وزير السد العالي

 

ولد محمد صدقي سليمان في السابع من سبتمبر عام ١٩١٩م، بقرية السيفا التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية. حصل على بكالوريوس الهندسة عام ١٩٣٩م، ثم التحق المهندس محمد صدقي بكلية أركان الحرب في الدفعة التاسعة والتي ضمت القادة: صلاح سالم (أول الدفعة)، وعبد الحكيم عامر (ثاني الدفعة)، وعبد المحسن كامل مرتجي، وجمال عبد الناصر، وزكريا محيي الدين، وثروت عكاشة، وكمال هنري أبادير، ومن المهندسين العسكريين البارزين: محمد صدقي سليمان، وسمير حلمي. حصل المهندس صدقي على ماجستير العلوم العسكرية.

وبعد قيام ثورة يوليو ٥٢، شغل المهندس محمد صدقي منصب سكرتير عام مجلس الإنتاج عام ١٩٥٤م، وكان لهذا المجلس دور بارز في صياغة الحياة القومية في ذلك الوقت على نحو رائع لم يقدر له أن يستمر، ومن خلال هذا المنصب أحاط صدقي سليمان بالخلفيات الفنية عن المشكلات القومية المصرية، والبدائل الممكنة لحلولها. ثم عين سكرتير عام لجنة التخطيط العليا عام ١٩٥٦م.

وفي عام ١٩٦١م، عين المهندس محمد صدقي سليمان مديرا عاما للمؤسسة الاقتصادية وهي الكيان الذي ضم الشركات التي ضمتها الثورة الى ملكية الدولة، ثم ترأس مجلس إدارة مؤسسة مواد البناء والحراريات.

وفي عام ١٩٦٢م، كان القلق يتزايد من فيضان يهدد باكتمال مشروع بناء السد العالي وسيجرف كل الجهود، ويتسبب في خسارات اقتصادية وسياسية ومائية، وسترتفع المياه في شوارع القاهرة إلى أكثر من خمسة سنتيمترات، إذا لم يتم الانتهاء من الأعمال المطلوبة، خلال عامين، ليتدخل الرئيس عبدالناصر في القضية، ويقول إن الحل في الاستعادة بـ«صدقي سليمان» وهو الضابط المهندس الذي شارك في أعمال هامة، كان من أبرزها المشاركة في تأسيس المصانع الحربية، وإنشاء شركة الحديد والصلب، وشركة سيماف، وجميع شركات التعدين.

 فقرر الرئيس ناصر إنشاء وزارة منفصلة للسد العالي، وجعل صدقي سليمان وزيراً لها (أول وآخر وزير لتلك الوزارة)، ما صاحبه موقفا طريفا، وهو أن منزل سليمان كانت أمامه محطة أتوبيس، التي فوجئ بإزالتها صباح يوم تكليفه بالوزارة، وبسؤاله عن سبب ذلك، قالوا إنه لغرض أمني، ليطلب إعادة الأمر كما كان «رحمة بالناس»، ويسافر في اليوم التالي لأسوان، ويبقى بها لـ٨ سنوات، حتى تمام بناء السد، ولم يطلب المهندس محمد صدقي سليمان، الكثير لتنفيذ رغبة الرئيس جمال عبد الناصر في متابعة إنشاءات السد، فقد كان له مطلبان، وافق عليهما الرئيس الراحل فورا. كان طلبا سليمان، منحه صلاحيات رئيس الجمهورية، وخط تليفون مباشرًا إلى مكتب رئيس الجمهورية.

وكانت المجموعة التي يقودها سليمان تضم أكثر من ٣٠ ألف عامل مصري وخبراء روس، ووجد أن «البيروقراطية» هي الأم، ليعلن مبدأ «لا تقدم أوراقا، ولكن تكلم»، وهجر مكتبه وبقى في أرض الميدان يستقبل الشكاوى ويقدم الحلول، ومن بينها كانت مسألة الحضور والانصراف (تبديل الورديات)، التي كانت تستنزف وقتا من ساعات اليوم، من التحضيرات والترتيبات، فقرر أن يعمل رئيس كل وردية ساعة إضافية يحضر مبكرا، للتعرف على المطلوب منه والمشكلات التي واجهت ما قبله، ما ساهم في زيادة إنتاجية كل وردية.

وكانت معنويات العمال من أولوياته، فقرر ألا تزيد ساعة عن الـ٨ ساعات إلا بأجر مقابل، وألا تمر مرحلة من مراحل الإنجاز دون مكافأة تشجعيه تبدأ من ٥ جنيهات وتصل لـ١٠٠ جنيه. ولجانب ذلك، خصص أماكن لإقامة أسر العمال المتزوجين، بها مجمعات استهلاكية، وسهل من إجراءات نقل أبنائهم لمدارس أسوان، وكانت الحفلات الترفيهية التي يحييها معظم فناني مصر جزءا من برنامج مشروع البناء.

وأصدر قرارات لإسراع وتيرة العمل في إنشاءات السد، بانتداب ضباط مهندسين، وضم من أنهى خدمة التجنيد إلى العمل، وأقام معهدًا للتدريب على العمل في السد، كما قرر بأن تكون سنة الدراسة الأخيرة لطلبة الدبلوم الصناعي في أسوان، العمل في السد.

"لا راحة ولا إجازات حتى هَدّ الجبل" كان قانون سليمان، الذي سار عليه كل من عمل في بناء السد العالي، وكأنهم ركبوا قطارًا، لا يعرف محطات سوى محطة النجاح، وعلق لافتات لتوضيح العد التنازلي للزمن المتبقي على تحويل مجرى النهر، كانت تراجع يوميا، ويكتب عليها (باق من الزمن .... يوم) ألهبت حماس العمال، حيث عرفت عنه مقولته الشهيرة: "علمنا بناء السد أن الصبر لا يكمن في الاستسلام للزمن.. ولكن في مقاومته".

"إلى الأخ والصديق وزير السد العالي.. ذكرى تعاون وصداقة ونجاح"، رسالة بسيطة الكلمات عميقة المعنى، كُتبت على "بطاقة" وسط "باقة ورد"، بأيدي عمال السد العالي، لتقديمها إلى رجل سطر اسمه بحروف من نور، حتى أصبح انطفاؤها عصيًا على الزمن. وفي السادس عشر من مايو العام ١٩٦٤م، منح الرئيس جمال عبدالناصر الوزير محمد صدقي سليمان وشاح النيل.

أصبح المهندس محمد سليمان رئيسًا للوزراء في العاشر من سبتمبر عام ١٩٦٦م، واستمر به حتى التاسع عشر من يونيو العام ١٩٦٧م، ثم عين وزيرًا للصناعة والكهرباء والسد العالي. كان المندس محمد سليمان عضواً بالمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي عام ١٩٦٨م، ومشرفًا على هيئة قناة السويس في الثاني والعشرين من مايو عام ١٩٦٩م، ثم اختير مستشارًا لرئيس الجمهورية في الثامن من نوفمبر عام ١٩٧٠م، ثم رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات في ١٤ يناير عام ١٩٧١م حتى استقالته عام ١٩٨٧م.

وفي الخامس عشر من يناير عام ١٩٧١م، منحه الرئيس السادات قلادة النيل تقديرا لمهماته في خدمة الوطن.

عاش صدقي سليمان حياته في هدوء ولم يعرف عنه ميل لا الى الإعلام والأحاديث الصحفية، ولا الى المجتمعات العامة وما يعتريها من نشاط، وهكذا قدر له أن ينجو من مغرياتها ومن مغباتها على حد سواء.

توفي المهندس محمد صدقي سليمان في الثامن والعشرين من مارس عام ١٩٩٦م، عن عمر ناهز الـ٧٧ عامًا.

وتخليدا لذكراه العطرة، أزاحت وزارة الموارد المائية والري المصرية عن سيارة المهندس محمد صدقي سليمان، والتي كان يستقلها الرئيس جمال عبد الناصر، أثناء إنشاء السد العالي، تمهيدًا لعرضها في متحف النيل المكشوف بأسوان.

المصادر

موقع جريدة الأهرام المصرية.

موقع رئاسة الجمهورية.