رجال حول الرئيس عبد الناصر(١).. الدكتور عزيز صدقي

رجال حول الرئيس عبد الناصر(١).. الدكتور عزيز صدقي
رجال حول الرئيس عبد الناصر(١).. الدكتور عزيز صدقي
رجال حول الرئيس عبد الناصر(١).. الدكتور عزيز صدقي

رجل من ذهب، اشتهر بعبقريته، وأنه أبو الصناعة المصرية، مهندس الصناعة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وواحد من الذين ارتبطوا بجيل الثورة وكان ضمن أول تشكيل وزاري بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م، أنه الدكتور عزيز صدقي أول وزير للصناعة في مصر، والذي لعب دورا رئيسيا في تأسيس القاعدة الصناعية رافضاً أن تظل مصر بلداً زراعياً، مؤمنا بأن التحول لبلد صناعي أمر حتمي لتصبح تجربته في وضع قواعد القلعة الصناعية المصرية تجربة رائدة.

من مواليد أول يوليه عام ١٩٢٠م، بالقاهرة، حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة قسم العمارة عام ١٩٤٤م، ثم درجة الماجستير من جامعة "أورجون " الأمريكية عام ١٩٤٧م، وأخري من جامعة هارفارد الأمريكية عام ١٩٤٩م، ثم درجة الدكتوراه في التخطيط الإقليمي من جامعة هارفارد عام ١٩٥١م، وحملت رسالة الدكتوراه عنوان "تصنيع مصر دراسة لإنشاء صناعة الحديد والصلب في مصر".

 عُين مدرسا بكلية الهندسة جامعة القاهرة عام ١٩٥١م، ثم مديرا عاما لمشروع مديرية التحرير الذي يعد من مؤسسيه عام ١٩٥٣م، ثم مديراً عاماً لمركز الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني عام ١٩٥٥م. في قصة طريفة رواها عن نفسه في أحد الحوارات، ملخصها أنه صار عضوًا متفرغًا في مجلس الخدمات الذى أنشأته الثورة برئاسة عبداللطيف بغدادي، وحدث أن زارهم جمال عبدالناصر يومًا في المجلس، واستمع إلى شرح المهندس عزيز لرسالته للدكتوراه، فأخبره الرئيس أنه سعيد جدّا؛ لأن الخطوة الأولى في عملهم بالمجلس كانت تسير في الاتجاه العلمي الصحيح، وفى اليوم الثاني كلّمه محمد حسنين هيكل ليُخبره أن الرئيس يرغب في مقابلته.

وبحماسه وإخلاصه في عمله ومساهماته في طرح رؤى التخطيط أهلته ليختاره الرئيس جمال عبد الناصر لتولى منصب أول وزير صناعة مصري عام ١٩٥٦، هو ابن الـ ٣٦ عاماً وأول ما قام به هو وضع برنامجا وميزانية إجمالية خاصة للتصنيع في مصر، ويحكي عنه في أحد لقاءاته الصحفية قائلا:" قدمته إلى الرئيس عبدالناصر..تناقشنا في تفاصيله..عن المدى الزمنى الذى حددته، والإمكانيات المادية، والمعوقات المتوقعة، والكوادر الفنية والعمالة.. في نهاية المناقشات قال لى: ياعزيز لونفذنا ٤٠ ٪ من هذا البرنامج فقط فسيكون إنجازا عظيما.. طلب منى عرض خطوات البرنامج أمام مجلس الوزراء بنفس طريقة العرض التى قدمتها إليه، والرد على كل الاستفسارات، كانت الوزارة برئاسته ووافقت على خطتى، وتم تخصيص مبلغ ١٢ مليون جنيه كأول ميزانية للتصنيع، وبدأت المسيرة». لتشهد الصناعة المصرية في عهده طفرة تأسيسية مهمة تمثلت في إدخال صناعات لأول مرة، فنفذ مشروع تجميع أول سيارة مصنوعة في مصر عام ١٩٥٩م، ولها قصة روها في حواراته الصحفية قائلا عنها:" لا أنساها، فعندما عرضت الموضوع على عبد الناصر استغرقت مناقشاتنا ساعتين.. كان أمامنا عرضان، عربية اسمها «برج وورد» و«الفيات» الإيطالية نختار نوعا منهما، قال لي: «يا عزيز.. أنا عايز عربية الموظف الصغير يأخذ امرأته وأولاده ويطلع يتفسح بها، عايزها تأخذ أربعة أنفار، ولازم تبحث هيدفع ثمنها إزاى ياعزيز.. أنا اخترت «فيات» وكانت بسبعمائة جنيه ونبيعها بالتقسيط، ووضعنا خطة إنتاج ١٢ ألف سيارة، وفوجئنا بسجل حجز كبير".

 شيد الدكتور عزيز صدقي مئات المصانع بهدف الوصول لبناء ألف مصنع، كما عمل على التوسع في الصناعات الحيوية منها الحديد والصلب والصناعات الغذائية والهندسية وغيرها لتأمين احتياجات البلاد، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.

وعن حقيقة أن المصانع التي تم تشييدها بلغ عددها ألف مصنع.. يذكر صدقي: «أكثر من هذا.. ولرقم الألف مصنع قصة.. كان فيه مؤتمر في ميدان عابدين..لا أذكر مناسبته، وقال عبدالناصر في خطابه: «عزيز صدقى بيقول إنه اتبنى ألف مصنع، وأنا أطلب منه إنه ينشر بيانا بالمصانع اللى اتعملت.. وبالفعل نفذنا ما قاله ونشرنا بيانا باسم كل مصنع وتاريخه ومكانه وتكاليفه، وأهدافه، واتضح أنهم أكثر من ألف مصنع.. طبعا أضيف بعد ذلك لهذا العدد الكثير.. لكن أنا أوضح حقيقة هذا الرقم».

يتذكر«صدقى» آخر مصنع افتتحه عبد الناصر وهو «ستريت مل» أكبر مصنع تم إنجازه مع الاتحاد السوفيتي في مجال صناعة الحديد والصلب.. كان في ذكرى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٦٩م.. يقول: «جاء الوزير الروسى المختص بطائرة خاصة، ومن المطار إلى المصنع مباشرة.. فوجئ عبدالناصر بالمصنع، قال لى: «إيه ده ياعزيز كنت مخبيه فين ده؟».فى اليوم التالي ذهبت إلى مكتبه في منزله لأشكره.. اطمأن كعادته على العمالة الجديدة التى يستوعبها المصنع، لكن لاحظت أنه مهموم. سألته: «في حاجة ماعجبتكش ياريس في المصنع».. رد: «لا أبدا..ده عظيم قوى يا عزيز».. فوجئت برده، قال: «إحنا لما هنموت منعرفش اللى هيجي بعدنا هيعمل إيه.. عايزين نبني الحاجة اللى مش هيقدروا يهدوها.. عايزين نبني مصانع على قد ما نقدر».

وكان أول من وضع قانون تنظيم لحماية المستهلك وأعطى الدولة وقت توليه وزارة الصناعة حق التسعير، حتى لا يستغل صاحب المصنع احتياج السوق لمنتجه فيرفع السعر، وعمل على نصرة العمال وتحسين ظروف حياتهم.

 

وتوالت المناصب التي شغلها صدقي، حيث أصبح عضوا باللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي عام ١٩٦٢م. عين نائباً لرئيس الوزراء للصناعة والثروة المعدنية، ووزيراً للتعدين والبترول، ووزيراً للصناعات الخفيفة، ومشرفاً على الصناعة الثقيلة والقوى الكهربائية في وزارة علي صبري الثانية في الخامس والعشرين من مارس عام ١٩٦٤م، وترك الوزارة قبل نهايتها واستقال في التاسع عشر من أغسطس عام ١٩٦٥م، نتيجة لخلاف بينه وبين علي صبري.

كما ساهم في دعم المصانع الحربية التي أمدت الجيش بالسلاح والذخيرة، وظهرت في عَهده عدة صناعات مثل الثلاجات والبوتاجازات، ومصانع الورق، فاستطاع القطاع الصناعي أن يقف على قدميه بعد هزيمة ١٩٦٧م، ويستكمل مسيرة العمل. فتمت تعبئة الموارد لخدمة الجبهة العسكرية من حيث العتاد والمؤن.

اختير مستشاراً لرئاسة الجمهورية للإنتاج والتنمية الصناعية في الفترة (من ١٩٦٦م إلى ١٩٦٧م). ثم تولى مهام منصب وزير الصناعة في السادس عشر من أكتوبر عام ١٩٦٧م، ثم وزيراً للصناعة والبترول والثروة المعدنية في العشرين من مارس عام ١٩٦٩م.      

وأصبح عضوا مجلس الأمة عام ١٩٦٩م، وعضوا بالمجلس الأعلى للدفاع المدني عام ١٩٧٠م.

وفي السابع عشر من مارس عام ١٩٧٢م، عينه الرئيس محمد أنور السادات رئيسا للوزراء، وعضوا باللجنة العليا للإعداد للمعركة، لكنه لم يستمر في منصب رئاسة مجلس الوزراء كثيراً وقدم استقالته في السادس والعشرين من مارس عام ١٩٧٣م، ليعين بعد ذلك مساعداً لرئيس الجمهورية في نفس العام، خاصة أن لعزيز صدقي دورا كبيرا في تحقيق النصر في حرب أكتوبر ١٩٧٣ بتوفير احتياجات البلاد والجيش من السلع وتوفير مخزون استراتيجي يكفي البلاد لمدة أربعة أشهر من مختلف المنتجات دون انتظار الدعم من أحد.

ساهمت القلعة الصناعية المتنوعة في خدمة الجبهة العسكرية، مثل مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج والمواد الغذائية. ما جعل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير- رُغم عدم مساندتهما ذلك الوقت- يشهدان بتماسُك الاقتصاد المصري عقب حرب ١٩٧٣م.

وكانت مميزات وتاريخ عزيز صدقي تؤهله لتولى أكبر المناصب مع كل رئيس يتولى البلاد وهو ما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك والذي رشحه لتولى رئاسة الوزراء عام ١٩٨٢م، لكنه رفض المنصب، وفضل البعد عن الحياة السياسية ليمارس نشاطه الخاص بمكتبه الاستشاري للشئون الهندسية والاقتصادية، اشترك صدقي في العديد من المؤتمرات الدولية الخاصة بالمسائل الصناعية.

منحه الرئيس جمال عبد الناصر عدة أوسمه منها: وشاح النيل في الثاني من فبراير عام ١٩٥٨م وقلادة الجمهورية، كما منحه أيضا الرئيس محمد حسني مبارك قلادة الجمهورية مرة أخري عام ١٩٨٢م.

رحل الدكتور عزيز صدقي في يوم الجمعة الموافق ٢٥ يناير عام ٢٠٠٨م، عن عمر يناهز ٨٨ عاما.

المصادر

  • موقع رئاسة الجمهورية
  • موقع مكتبة الإسكندرية
  • جريدة الأهرام المصرية
  • مقال تحت عنوان:" سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يوليو 1956.. عزيز صدقي يبدأ مهمته التاريخية وزيرا للصناعة من حجرة واحدة في وزارة التجارة".