محمد علي باشا " مؤسس مصر الحديثة "

محمد علي باشا " مؤسس مصر الحديثة "

رأس الأسرة العلوية التي استمرت في حكم مصر (١٨٠٥-١٩٥٢م)، ومؤسس الدولة المصر الحديثة.

وُلِد محمد على باشا عام ١٧٦٩م بمدينة قولة بمقدونيا (اليونان)، و كان والده ابراهيم أغا من أسرة ذات أصل ألباني، وقد صاهر والده أسرة شوربجي (محافظ) قولة، وعُيِّن لذلك رئيسًا للحرس الخاص بحراسة الطرق، وقد توفيت والدة محمد علي وهو في السادسة من عمره.

وعندما بلغ سن العاشرة عمل مع والده في تجارة الدخان وتأجير السفن، كما أنه خَلَف والده في رئاسة الجنود غير النظاميين؛ فأبدى شجاعة فائقة ، لم ينل أي قسط من التعليم، وشرع في تعلم القراءة والكتابة وهو في الخامسة والأربعين من عمره،  بعد وفاة والده كفله عمه طوسون، ونظرًا لما يتصف به محمد علي بالشجاعة والإقدام منذ نعومة أظفاره، فقد ألحقه عمه طوسون، الذي كان يشغل منصب حكمدار المدينة آنذاك بالشرطة، للمحافظة على الأمن بين قولة والقرى المجاورة، فتمكن بشجاعته من إجبار أهالي مدينة براوستا المجاورة لقولة من دفع الضرائب المتأخرة عليهم للحاكم، بناء على تكليف عمه، وترقى محمد علي لذلك إلى رتبة رئيس فرقة (نقيب)، قدم إلى مصر عام ١٧٩٩م ضمن فرقة عسكرية عثمانية للعمل على إخراج الفرنسيين من مصر، لكنّ القوات العثمانية انهزمت في موقعة "أبي قير البرية"، ومن ثمّ عاد إلى بلده.
 قدم مرة أخرى إلى مصر عام ١٨٠١م ضمن جيش القبطان حسين الذي جاء ليساعد الإنجليز على إجلاء الفرنسيين عن مصر؛ فذاعت شهرته وعلا نجمه عند العثمانيين وبين عامة المصريين.
بعد جلاء الحملة الفرنسية رُقيّ إلى رتبة سرجشمة (لواء)، ثم رُشِّح لمنصب رئيس القيادة العامة وقائد حرس القصر لدى الحاكم العام ،وفي ٩ يوليو عام ١٨٠٥م وافق السلطان العثماني على طلب العلماء وقام بتعيين محمد علي واليًا على مصر وعزل خورشيد باشا.
بدأ محمد على في تكوين طبقة من المتعلمين تعليمًا عاليًا.

ومن أهم أعماله: 

فى المجال الإداري 

فى عهده قُسِّمت مصر إلى خمس محافظات وسبع مديريات، وقسمت كل مديرية من هذه المديريات إلى مراكز، والمراكز إلى أقسام أو أخطاط، وسمى رؤساء المركز المأمورين ورؤساء الأقسام النظار.

جمع محمد على في يده كل السلطات، فأنشأ بعض المجالس أو الدواوين ليتشاور مع أعضائها قبل إبرام الأمور وأهمها: الديوان العالي أو مجلس الحكومة، والمجلس العالي (١٨٢٤–١٨٢٥م)، والمجلس الخصوصي وكان يرأسه إبراهيم باشا، ثم حدد القانون الأساسي (قانون السياستنامة) الذي صدر عام ١٨٣٧م الدواوين واختصاصاتها، وظل هذا القانون سائدًا طيلة عصر محمد علي، وحصر السلطة في سبعة دواوين هي: ديوان الخديوي (وزارة الداخلية)، ديوان الإيرادات (المالية)، وديوان الجهادية (وزارة الحرب)، وديوان البحر (وزارة البحرية)، وديوان المدارس (وزارة التعليم والأشغال العمومية)، وديوان التجارة المصرية والأمور الأفرنكية (وزارة التجارة والشئون الخارجية)، وديوان الفابريقات (وزارة الصناعة).

في مجال التعليم

اهتم الباشا بأمر البعثات العلمية لنقل التقدم العلمي لمصر، فأوفد بعثة عام ١٨١٣م إلى إيطاليا لدراسة الفنون العسكرية وبناء السفن والطباعة، وكانت أول بعثة علمية مُنظَّمة أُرسلت إلى أوربا عام ١٨٢٦م، وأعقبها فيما بين عامي ١٨٢٦م، و١٨٤٧م تسع بعثات وتكونت من ٢١٩ طالبًا ذهب معظمهم لفرنسا، واتجه الباقون لإنجلترا والنمسا، وتخصص الطلبة في هذه البعثات في الهندسة والرياضيات والطبيعيات ومختلف الصناعات والنظم الحربية والعلوم السياسية والطب والحقوق.
وأنشأ العديد من المدارس كمدرسة المهندسخانة، ومدرسة الألسن، ومدرسة المحاسبة، ومدرسة الفنون والصنائع، المدرسة الحربية بأسوان، والمدرسة العسكرية المصرية بباريس، ومدرسة الطب، ومدرسة الصيدلة ومدرسة الولادة والممرضات، ومدرسة الطب بالقصر العيني، وكان التعليم تابعًا لنظارة الجهادية فأصدر الباشا أمرًا بإنشاء مجلس لتنظيم المدارس عام ١٨٢٦م، وقرر هذا المجلس تقسيم التعليم إلى ثلاث مراحل ابتدائية، تجهيزية، خصوصية، وإنشاء خمسين مدرسة ابتدائية، وإنشاء مدرستين تجهيزيتين بالقاهرة والإسكندرية، ثم أنشأ محمد علي هيئة فنية للإشراف على التعليم (مجلس شورى المدارس)، ولكن التعليم ظل تابعًا للجهادية بمقتضى التنظيم الإداري - قانون السياستنامة- الصادر عام ١٨٣٧م،كما قام بإنشاء إدارة خاصة للمدارس سميت "ديوان المدارس" وهي أول وزارة للتربية والتعليم في مصر.

أنشأ مطبعة بولاق (١٨٢١م)، وأصدر جريدة الوقائع المصرية ١٨٢٨م.

فى مجال الصناعــة

في البداية طبَّق محمد علي نظام الاحتكار الصناعي على طوائف الحرف، وكان أول احتكار صناعي طبَّقه هو احتكار صناعة النشوق (الدخان) عام ١٨٠٩م، مما أدى في نهاية الأمر إلى الأخذ بنظام الصناعة الحديثة والمصنع الكبير.

انقسمت الصناعات ف عهده إلى ثلاثة أقسام:

أولاً: الصناعات التجهيزية: وتمثلت في صناعة آلات حلج وكبس القطن، وفي مضارب الأرز، ومصانع تجهيزية لتجهيز النيلة، ومعاصر للزيوت، حيث توسع في استعمال الآلات البخارية، ومصانع لتحضير المواد الكيماوية، وقام باستبدال الطرق البدائية في الصناعة بالآلات الميكانيكية.

ثانيًا: الصناعات التحويلية: وهي التي تتعلق بالغزل والنسيج بكافة أنواعه، حيث أسس محمد علي مصنعين في الخرنفش وبولاق في نفس الوقت ١٨١٦م، وهناك من يرجع ذلك إلى عام ١٨٢٤م. وصناعة السكر في البرامون . وأنشأ مصنعين للزجاج أحدهما عام ١٨٢١م بالإسكندرية، والآخر عام ١٨٣٦م.

ثالثًا: الصناعات الحربية: أسس دار الصناعة بالقلعة عام ١٨١٦م، وترسانة بولاق، وأقام مصنعًا للحبال بالقاهرة عام ١٨١٩م، ومصنع للأسلحة الصغيرة بالحوض المرصود عام ١٨٣١م، ومعامل البارود، ومسابك الحديد، وترسانة الإسكندرية التي بدأ العمل فيها عام ١٨٢٩م وتم الانتهاء منها عام ١٨٣١م.

فى مجال الزراعـة

ألغى محمد علي نظام الالتزام في نظام حيازة الأرض الزراعية، وقام بتوزيعها على الفلاحين، وطبق نظام الاحتكار في بيع الحاصلات الزراعية، فتولت الحكومة البيع للأهالي ولتجار الجملة من الأجانب، كما تولت تصديرها للخارج، مما عاد  بمكاسب هائلة ساعدته فى تغطية نفقات حروبه في الداخل والخارج، والقيام بالإصلاحات التي تطلبها البلاد.

هو أول من أدخل نظام الدورة الزراعية في الزراعة المصرية فى العصر الحديث، وأحضر الخبراء الأجانب لتعليم الفلاحين الطرق الصحيحة لزراعة القطن والقصب والنيلة ، والفوة (أدخله الباشا مصر عام ١٨٢٥م)، والخشخاش، والتيل والزيتون، وغير ذلك.

وفي عام ١٨٤٦م أنشأ محمد علي الإدارة الزراعية، وعنى بإجراء التجارب الزراعية وإرسال البعوث لأوروبا ومقاومة الآفات الزراعية. وأحضر من الخارج تقاوي نباتات مختلفة منها: شجيرات البن، الفاصوليا، اللوبيا، القمح، وأدخل إلى مصر شجر الجوافة وشجرة التوت، والقلقاس وغيرها، ونجح في زراعة البطاطا والبطاطس. أدخل زراعة قطن جوميل (نسبه إلى مكتشفه مدير مصانعه ببولاق وهو فرنسي)، وأصل بذرته من الهند.

بعد تزايد مشروعات محمد علي في الزراعة والصناعة، كان عليه أن يعني بالتجارة لتسهيل تداول المنتجات الزراعية والصناعية لتكون له موردًا جديدًا من موارد الدولة، حيث تقدمت التجارة الخارجية في هذا العهد بسبب الزيادة في إنتاج المحاصيل الزراعية، ونجاح نظام الاحتكار الذي طبَّقه الباشا في المجالين الداخلي والخارجي، إلى جانب حنكته في تصريف فائض الحاصلات الزراعية في البلاد التي قام بافتتاحها.

فى مجال الــري

أقام القناطر العديدة على الترع لضبط مياهها تيسيرًا للانتفاع بالري وأهمها: قناطر العيون التسعة على بحر مويس بالزقازيق، وقناطر المسلمية وبحر مشتول بالشرقية، وكان أهم أعماله بناء القناطر الخيرية وقد بدأ في بنائها عام ١٨٣٤م، ولكنه تُوفي قبل الانتهاء منها.

عنى بشق عدد كبير من الترع في جميع المحافظات من أمثال: الخطاطبة والبوهية والباجورية. كما سد ترعة الفرعونية، وأنشأ الجسور على شاطئ النيل من جبل السلسلة إلى البحر المتوسط لمنع طغيان المياه على ضفتيه، وقام بإصلاح جسر أبى قير، واستطاع الباشا أن يحول كل أراضي الوجه البحري إلى نظام الري الدائم.

فى مجال الصحة

أنشأ مجلس الصحة، ومدرسة الطب عام١٨٢٧م، ومدرسة الصيدلة ومدرسة الولادة والممرضات، وبدأ التطعيم الإجباري، وأنشأ كلوت بك مجلس الصحة البحرية بالإسكندرية، وقام الباشا بمكافحة الأمراض والأوبئة في مصر، وإنشاء المحاجر الصحية.

وهو أول تشريع صحي يصدر في مصرفيأصدرقانون الصحة عام ١٨٤١م .



 مرض محمد على باشا  في ٢ سبتمبر عام ١٨٤٨م ، وصدر فرمان من الباب العالي بتعيين إبراهيم باشا واليًا على مصر. وتُوفّي في ٢ أغسطس عام ١٨٤٩م .